واصل «يعتدون» يعتديون ، ففعل به ما فعل ب «يتقون» (١) من الحذف والإعلال وقد تقدّم ، فوزنه يفتعون. والواو من «عصوا» واجبة الإدغام في الواو بعدها لانفتاح ما قبلها ، فليس فيها مدّ يمنع من الإدغام ، ومثله : (فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا)(٢) وهذا بخلاف ما إذا انضمّ ما قبل الواو ، فإنّ المدّ يقوم مقام الحاجز بين المثلين فيجب الإظهار ، نحو (آمَنُوا وَعَمِلُوا)(٣) ومثله : (الَّذِي يُوَسْوِسُ)(٤).
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٣) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٦٤)
قوله تعالى : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ) .. «من» يجوز فيها وجهان :
أحدهما : أن تكون شرطيّة في محلّ رفع بالابتداء ، و «آمن» مجزوم بها تقديرا وهو الخبر على الصحيح حسبما تقدّم الخلاف فيه. وقوله : «فلهم» جواب الشرط ، وهذه الجملة الشرطية في محل رفع خبرا ل «إنّ» في قوله : إنّ الذين آمنوا ، والعائد محذوف تقديره : من آمن منهم ، كما صرّح به في موضع آخر (٥).
والثاني : أن تكون موصولة بمعنى الذي ومحلّها حينئذ النصب على البدل من اسم «إنّ» وهو «الذين» بدل بعض من كلّ ، والعائد أيضا محذوف كما تقدم ، و «آمن» صلتها ، فلا محلّ له حينئذ.
قوله : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) خبر «إنّ الذين» ، ودخلت الفاء لأن الموصول يشبه الشرط ، وهذا عند غير الأخفش ، وأمّا الأخفش فنقل عنه أنّه إذا نسخ المبتدأ ب «إنّ» يمتنع ذلك فيه ، فمحلّ قوله «فلهم أجرهم» رفع على هذا القول ، وجزم على القول الأول ، و «لهم» خبر مقدّم متعلق بمحذوف ، و «أجرهم» مبتدأ ، ويجوز عند الأخفش أن يكون فاعلا بالجارّ قبله وإن لم يعتمد ، وقد تقدّم ذكر الخلاف في ذلك.
قوله : (عِنْدَ رَبِّهِمْ) «عند» ظرف مكان لازم الإضافة لفظا ومعنى ، والعامل فيه الاستقرار الذي تضمّنه «لهم» ، ويجوز أن يكون في محلّ نصب على الحال من «أجرهم» فيتعلّق بمحذوف تقديره : فلهم أجرهم ثابتا عند ربهم. والعنديّة مجاز لتعاليه عن الجهة ، وقد تخرج إلى ظرف الزمان إذا كان مظروفها معنى ، ومنه قوله عليهالسلام : «إنما الصبر عند الصّدمة الأولى» (٦) والمشهور كسر عينها ، وقد تفتح وقد تضمّ.
والذين هادوا هم اليهود ، وهادوا في ألفه قولان :
__________________
(١) سورة البقرة ، آية (٢١).
(٢) سورة آل عمران ، آية (٢٠).
(٣) سورة البقرة ، آية (٢٥).
(٤) سورة الناس ، آية (٤).
(٥) سورة البقرة ، آية (١٢٦).
(٦) أخرجه (٢ / ١٠٠) ، ومسلم في الجنائز (١٥) ، وأبو داود في الجنائز باب (٢٧) ، وابن ماجه (١٥٩٦).