الأولى في قوله : (فَتُوبُوا) للسببية ، لأن الظلم سبب التوبة ، والثانية للتعقيب ، لأنّ المعنى : فاعزموا على التوبة ، فاقتلوا أنفسكم ، والثالثة متعلقة بمحذوف ، ولا يخلو : إمّا أن ينتظم في قول موسى لهم فيتعلّق بشرط محذوف كأنه : وإن فعلتم فقد تاب عليكم ، وإمّا أن يكون خطابا من الله لهم على طريقة الالتفات ، فيكون التقدير : ففعلتم ما أمركم به موسى فتاب عليكم ، قاله الزمخشري.
(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٥٧)
قوله تعالى : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) : إنّما تعدّى باللام دون الباء لأحد وجهين : إمّا أن يكون التقدير : لن نؤمن لأجل قولك ، وإمّا أن يضمّن معنى الإقرار ، أي : لن نقرّ لك بما ادّعيته ، وقرأ أبو عمرو بإدغام النون في اللام لتقاربهما.
قوله تعالى : (جَهْرَةً) فيه قولان :
أحدهما : أنها مصدر وفيها حينئذ قولان :
أحدهما أنّ ناصبها محذوف ، وهو من لفظها ، تقديره : جهرتم جهرة نقله أبو البقاء.
والثاني : أنها مصدر من نوع الفعل فتنتصب انتصاب القرفصاء من قولك : «قعد القرفصاء» ، «واشتمل الصمّاء» (١) ، فإنها نوع من الرؤية ، وبه بدأ الزمخشري.
والثاني : أنها مصدر واقع موقع الحال ، وفيها حينئذ أربعة أقوال :
أحدهما : أنه حال من فاعل «نرى» أي : ذوي جهرة ، قاله الزمخشري.
والثاني : أنّها حال من فاعل «قلتم» ، أي : قلتم ذلك مجاهرين ، قاله أبو البقاء ، وقال بعضهم : فيكون في الكلام تقديم وتأخير ، أي : قلتم جهرة لن نؤمن لك ، ومثل هذا لا يقال فيه تقديم وتأخير ، بل أتى بمفعول القول ثم بالحال من فاعله ، فهو نظير : «ضربت هندا قائما».
والثالث : أنّها حال من اسم الله تعالى ، أي : نراه ظاهرا غير مستور.
والرابع : أنّها حال من فاعل «نؤمن» نقله ابن عطية ، ولا معنى له ، والصحيح من هذه الأقوال الستة الثاني.
__________________
(١) قال ابن منظور : وفي الحديث : أنه نهى عن اشتمال الصّمّاء ، قال : هو أن يتجلّل الرجل بثوبه ولا يرفع منه جانبا ، وإنما قيل لها صمّاء لأنه إذا اشتمل بها سدّ على يديه ورجليه المنافذ كلها ، كأنها لا تصل إلى شيء ولا يصل إليها شيء ، كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق ولا صدع. قال أبو عبيد : اشتمال الصماء : أن تجلّل جسدك بثوبك نحو : شملة الأعراب بأكسيتهم ... راجع : اللسان : صمم (٥٢٠٢).