فلما رأيت
الأمر كذلك واطلعت على ما ذكره الناس في هذه الفنون ، ورأيتهم إما ذاكرا الواضح
البين الذي لم يحتج للتنبيه عليه إلا الأجنبي من الصناعة ، وإما المقتصر على
المشكل بلفظ مختصر ـ استخرت الله الكريم القويّ المتين في جمع أطراف هذه العلوم ،
آخذا من كلّ علم بالحظّ الوافر .
فمما سبق يتضح
لنا هدف السمين أو السبب الدافع لتأليف هذا الكتاب إنما هو جمع أطراف هذه العلوم
من كتب السابقين.
وبعد أن وضح
لنا السمين الهدف الأسمى من تأليف هذا الكتاب بين لنا منهجه قائلا : «... إنّي إذا
عرضت قاعدة كلية من قواعد هذه العلوم ، أو ضابط لمسألة منتشرة الأطراف ذكرت ذلك
مجردا له من كتب القوم ، ولا أذكر إلا ما هو المختار عند أهل تلك الصناعة ، وإذا
ذكرت مذهبا لأحد من أهل العلم فقد يحتمل هذا الكتاب ذكر دلائله والاعتراضات عليه
والجواب عنه فأذكره ، وقد لا يحتمل فأحيله على كتب ذلك العلم.
ولم آل جهدا في
استيفاء الكلام على مسائل هذا الكتاب ، فإنّي تعرّضت للقراءات المشهورة والشاذة ،
وما ذكر الناس في توجيهها ولم أترك وجها غريبا من الإعراب وإن كان واهيا ، ومقصودي
بذلك التنبيه على ضعفه حتى لا يغترّ به من اطّلع عليه. وذكرت كثيرا من المناقشات
الواردة على أبي القاسم الزمخشري وأبي محمد بن عطية ومحب الدين أبي البقاء ، وإن
أمكن الجواب عنهم بشيء ذكرته.
وكذلك تعرضت
لكلام كثير من المفسّرين ، كالمهدوي ، ومكي والنحاس ، دون غيرهم ، فإنهم أعني
الناس بما قصدته وأغناهم وإذا تكررت الآية الكريمة ـ أو ما يقاربها في تركيبها أو
قاعدة كليّة ، أو ضابط ، قد مرّ ذكره ـ فلا أعيدها ، بل إن بعد العهد ذكرت ما
ينبّهك عليها .
طريقته في عرض منهجه :
يبدأ السمين
أولا بذكر بعض ألفاظ ، أو لفظة من الآية الكريمة فيقول مثلا : (طه) ثم يمضي مع هذه اللفظة من جانب اللغة ، والاشتقاق
والمعنى ، وما تحتمله من دلالات في الآية وخارجها ويدعم عرضه بالشواهد المختلفة ثم
بين قراءتها على نحو مجمل ، وبعد ذلك يناقش كل قراءة ، وما اختاره من تخريجات فيها
ثم يعربها ويبين أقوال العلماء وآراءهم.
وإذا صادف فيما
يقرره مناسبة للتفصيل في باب من أبواب النحو نراه يستطرد في ذلك كثيرا تاركا ما هو
فيه من إعراب ليقعد البحث ويذكر أصوله وأشكاله ولو لم يكن لهذه الأصول والأشكال
صلة بإعرابه المعين للآية ، وإذا انتهت بضاعته من هذه اللفظة (طه) ينهض إلى تاليها من الألفاظ على الطريقة نفسها.
وقد يبدأ بذكر
أكثر من كلمة من الآية ولكننا لا نراه يتعدى ما أشرنا إليه.
ومن خلال عرض «السمين»
لمنهجه يتبين لنا أنّ «السمين» قد خالف شيخه أبا حيان صاحب «البحر المحيط» إذا كان
أبو حيان يقسم السورة طوائف من الآيات الكريمة ثم يأخذ في الحديث عنها من جانب
اللغة والاشتقاق حتى إذا
__________________