(وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)(٤٣)
قوله تعالى : (بِما أَنْزَلْتُ) .. «ما» يجوز أن تكون بمعنى الذي ، والعائد محذوف ، أي : الذي أنزلته ، ويجوز أن تكون مصدرية ، والمصدر واقع موقع المفعول أي بالمنزّل. و «مصدقا» نصب على الحال ، وصاحبها العائد المحذوف. وقيل : صاحبها «ما» والعامل فيها «آمنوا» ، وأجاز بعضهم أن تكون «ما» مصدرية من غير جعله المصدر واقعا موقع مفعول به ، وجعل «لما معكم» من تمامه ، أي : بإنزالي لما معكم ، وجعل «مصدّقا» حالا من «ما» المجرورة باللام قدّمت عليها وإن كان صاحبها مجرورا ، لأنّ الصحيح جواز تقديم حال المجرور بحرف الجر عليه كقوله :
٤١٠ ـ فإن تك أذواد أصبن ونسوة |
|
فلن يذهبوا فرغا بقتل حبال (١) |
«فرغا» حال من «بقتل» ، وأيضا فهذه اللام زائدة فهي في حكم المطّرح ، و «مصدقا» حال مؤكدة ، لأنه لا تكون إلا كذلك. والظاهر أنّ «ما» بمعنى الذي ، وأنّ «مصدقا» حال من عائد الموصول ، وأنّ اللام في «لما» مقوية لتعدية «مصدّقا» ل «ما» الموصولة بالظرف.
قوله : (أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) «أول» خبر «كان» قبله ، وفيه أربعة أقوال ، أحدها ـ وهو مذهب سيبويه ـ أنه أفعل ، وأنّ فاءه وعينه واو ، وتأنيثه أولى ، وأصلها : وولى ، فأبدلت الواو همزة وجوبا ، وليست مثل «ووري» في عدم قلبها لسكون الواو بعدها ، لأنّ واو «أولى» تحرّكت في الجمع في قولهم «أول» ، فحمل المفرد على الجمع في ذلك. ولم يتصرّف من «أوّل» فعل لاستثقاله. وقيل : هو من وأل إذا نجا ، ففاؤه واو وعينه همزة ، وأصله أو أل ، فخفّفت بأن قلبت الهمزة واوا ، وأدغم فيها الواو الأولى فصار : أوّل ، وهذا ليس بقياس تخفيفه ، بل قياسه أن تلقى حركة الهمزة على الواو الساكنة وتحذف الهمزة ، ولكنهم شبّهوه بخطيّة وبريّة ، وهو ضعيف ، والجمع : أوائل وأوالي أيضا على القلب. وقيل : هو من آل يؤول إذا رجع ، وأصله : أأول بهمزتين الأولى زائدة والثانية فاؤه ، ثم قلب فأخّرت الفاء بعد العين فصار : أوأل بوزن أعفل ، ثم فعل به ما فعل في الوجه الذي قبله من القلب والإدغام وهو أضعف منه. وقيل : هو ووّل بوزن فوعل ، فأبدلت الواو الأولى همزة ، وهذا القول أضعفها ؛ لأنه كان ينبغي أن ينصرف ليس إلّا. والجمع : أوائل ، والأصل : ووأول ، فقلبت الأولى همزة لما تقدّم ، والثالثة أيضا لوقوعها بعد ألف الجمع.
واعلم أنّ «أوّل» أفعل تفضيل ، وأفعل التفضيل إذا أضيف إلى نكرة كان مفردا مذكرا مطلقا. ثم النكرة
__________________
(١) البيت لطلحة بن خويلد قاتل عكاشة بن محصن انظر المحتسب (٢ / ١٤٨) ، الأشموني (٢ / ١٧٧) ، العيني (٣ / ١٥٤) ، البحر (٧ / ١٠٧) ، والتهذيب (٨ / ١١٠) ، (فرغ) واللسان (فرغ) وابن عقيل (١ / ٦٤٢) ، أزواد جمع زود وهو من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر ، حبال ابن الشاعر وقيل ابن أخيه وكان المسلمون قد قتلوه في حرب الردة.