وقال :
١٥٨ ـ هلّا سألت بني ذبيان ما حسبي |
|
إذا الدّخان تغشّى الأشمط البرما (١) |
وجمعها غشاء لما حذفت الهاء قلبت الواو همزة ، وقيل : غشاوى مثل أداوى.
قال الفارسي : «ولم أسمع من الغشاوة فعلا متصرفا بالواو ، وإذا لم يوجد ذلك وكان معناها معنى ما اللام منه الياء ، وهو غشى يغشى بدليل قولهم : الغشيان والغشاوة من غشي كالجباوة من جبيت في أن الواو كأنها بدل من الياء إذ لم يصرف منه فعل كما لم يصرف من الجباوة» انتهى.
وظاهر عبارته أن الواو بدل من الياء ، فالياء أصل بدليل تصرف الفعل منها دون مادة الواو ، والذي يظهر أن لهذا المعنى مادتين : غ ش و ، وغ ش ى ، ثم تصرفوا في إحدى المادتين ، واستغنوا بذلك عن التصرف في المادة الأخرى ، وهذا أقرب من ادعاء قلب الواو ياء من غير سبب ، وأيضا فالياء أخف من الواو فكيف يقلبون الأخف للأثقل؟.
(وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) : (لَهُمْ) خبر مقدم فيتعلق بمحذوف و (عَذابٌ) مبتدأ مؤخر و (عَظِيمٌ) صفته ، والخبر هنا جائز التقدم ، لأن للمبتدأ مسوغا وهو وصفه فهو نظير : (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ)(٢) من حيث الجواز.
والعذاب في الأصل : الاستمرار ثم سمى به كل استمرار ألم وقيل : أصله المنع وهذا هو الظاهر ، ومنه قيل للماء : عذب لأنه يمنع العطش ، والعذاب يمنع من الجريمة.
و (عَظِيمٌ) اسم فاعل من عظم نحو : كريم من كرم ، غير مذهوب به مذهب الزمان ، وأصله أن توصف به الأجرام ، ثم قد توصف به المعاني ، وهل هو والكبير بمعنى واحد ، أو هو فوق الكبير ، لأن العظيم يقابل الحقير ، والكبير يقابل الصغير ، والحقير دون الصغير؟ قولان.
وفعيل : له معان كثيرة ويكون اسما وصفة ، والاسم مفرد وجمع ، والمفرد اسم معنى واسم عين نحو قميص وظريف وصهيل وكليب جمع كلب ، والصفة مفرد فعلة كعرى يجمع على عراة ، ومفرد فعلة كسرى يجمع على سراة ، ويكون اسم فاعل من فعل نحو : عظيم من عظم كما تقدم ، ومبالغة في فاعل نحو : عليم من عالم ، وبمعنى أفعل كشميط بمعنى أشمط ، ومفعول كجريح بمعنى مجروح ، ومفعل كسميع بمعنى مسمع ، ومفعل كوليد بمعنى مولد ، ومفاعل كجليس بمعنى مجالس ، ومفتعل كبديع بمعنى مبتدع ، ومتفعل كسعير بمعنى متسعر ، ومستفعل كمكين بمعنى مستمكن ، وفعل كرطيب بمعنى رطب ، وفعل كعجيب بمعنى عجب ، وفعال كصحيح بمعنى صحاح ، وبمعنى الفاعل والمفعول كصريخ بمعنى صارخ أو مصروخ ، وبمعنى الواحد والجمع نحو خليط وجمع فاعل كغريب جمع غارب.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)(٨)
قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ) الآية ، (وَمِنَ النَّاسِ) خبر مقدم و (مَنْ يَقُولُ) مبتدأ مؤخر و (مِنَ) تحتمل أن تكون موصولة أو نكرة موصوفة أي : الذي يقول أو فريق يقول ، فالجملة على الأول لا محل لها لكونها
__________________
(١) البيت للنابغة. انظر ديوانه (١١٢).
(٢) سورة الأنعام ، آية (٢).