فانظر هل تقدر أن تحدث تلك الكيفية في نفسك من غير إيجاد اللفظ وإطلاق الصيغة؟ فإن أجبت (اجريت خ) على القول بالأوّل ادعيت لنفسك ما ليس لك إليه سبيل ، وكيف تقول بالثاني مع أنك تعرف أنّه ليس علاقة عقلية بين وجود هذا اللفظ ووجود تلك الهيئة بل اللفظ كاشف عنه متأخر عنه في الوجود ، فيلزم أن يوجد أوّلا حتى يكشف اللفظ عنه ويدل عليه ، فلو كان شيئا موجودا لكان موجودا قبل اللفظ من غير توقف عليه ولا استلزم له.
وبالجملة : كيف يسوغ أن يكون مدلول الصيغة المتداولة عند الخاصّة والعامّة معنى نفسانيا لا يجده العقلاء من أنفسهم ولا يميزونه بعقولهم وأفكارهم؟ وهل هذا إلّا مكابرة واضحة يحكم الحدس الصحيح ببطلانه. وإذا ثبت أن إيجاب الشيء يستلزم إرادته ونحن نعلم قطعا أنّه إذا تعلّق إرادتنا الحتمية بوجود الشيء ونعلم أنّه لا طريق إلى إيجاده إلّا بإيجاد شيء معين لا يمكن أن يحصل إلّا به ، لتعلّق إرادتنا الحتمية بإيجاد ذلك الشيء البتة ، وهذا بديهي بعد ملاحظة الطرفين وتجريدها عن العوارض ، وإن حصل التوقف في بادي النظر فإذن ثبت أن إيجاب الشيء يستلزم الإرادة الحتمية المتعلقة بمقدماته فيكون المقدمة واجبة إذ ليس الواجب عند أصحابنا إلّا هذا.
الوجه الخامس : إذا أمر المولى عبده بالصعود على السطح في ساعة معينة فأخذ العبد في هدم البناء يذمّه العقلاء ويعيّرونه على الهدم المذكور من غير توقف ، وهذا علامة الإيجاب.
لا يقال : ذمّه على الهدم ليس لذاته بل لكونه موصلا إلى ترك الصعود.
لأنّا نقول : إذا ثبت الذم عليه ثبت إيجاب نقيضه ، وأما كون الذم عليه معللا باتّصافه بصفة الإيصال إلى شيء ما لا يقدح في ذلك كما لا يخفى.