التكليف عن المسبب إلى السبب فبناء على أن إيجاد العبد له بنفس إيجاد السبب فيكون التكليف بالحقيقة راجعا إلى إيجاد السبب تأمّل في هذا المقام ، فإنّه من مزال الاقدام ومضال الافهام.» انتهى. (١)
ولا يخفى عليك أن تقرير الإيراد الأوّل على الوجه المذكور ليس بصواب على رأي المتكلمين لأنّه على تقدير صحته يلزم تحقق امور غير متناهية في الواقع قطعا سواء كان التكليف بالمسبب تكليفا بالسبب أو لا ، وهو ظاهر فتلك الامور الغير المتناهية إمّا مجتمعة أو غير مجتمعة ، فإن كانت مجتمعة فيخالف مذهب الحكماء والمتكلمين جميعا ، وإن كانت متعاقبة فيخالف مذهب المتكلمين لامتناع التسلسل عندهم مطلقا مع أنّه يلزم قدم العالم المخالف لمذهبهم أيضا.
فالصواب أن يقرر هكذا : لو كان التكليف بالمسبب تكليفا بالسبب لزم التكليف بما لا يدخل تحت قدرة العبد لأنّ كل شيء له سبب حتى ينتهي إلى الله تعالى.
وإنّ الإيراد الثاني لا يكاد يتجه أصلا في هذا المقام لأنّه أجاب عن الدليل الثالث بما يقرب ممّا أجبنا وأورد عليه ما أوردنا ثانيا. ثمّ غيّر الدليل إلى ما نقلنا عنه وتمسّك فيه بعدم كون المسبب فعلا للعبد لا بكونه واجبا عند وجوب السبب كما في دليلهم. ثمّ أورد عليه ما نقلنا وأجاب بالتخصيص كما سمعت ، فحينئذ لا مجال لذلك الإيراد حتى يقال في دفعه : إنّ هذه الشبهة يتمسّك بها في نفي اختيار العبد ولا اختصاص لها بهذا المقام ، إذ ليس بناء الدليل على أنّ المسبب واجب عند وجود السبب حتى يرد عليه هذا بل على أنّه ليس إيجاد المكلف متعلقا به
__________________
(١) راجع ص ٦٤ ـ ٦٦.