فإن دلالتها وضعية ولا شكّ انّ الاولى أقوى ولذلك أطلق عليها انّها بالذّات.
وبما ذكرنا ظهر وجه قولهم أن تلك الصّيغ منشئه ومحدثة لمعانيها فتدبّر.
ثمّ ما ذكره من انّه لا يسوغ أن يكون مدلول الصيغة المتداولة عند الخاصة والعامة معنى نفسانيا ولا يجده العقلاء من أنفسهم ولا يميزونه بأفكارهم.
فجوابه : أنّ مرادهم بالصيغة المتداولة إن كان هو الجملة الانشائية فلا يكاد يتجه ما قاله ، إذ لا خفاء في أنّ معناه ليس أن الطلب حاصل في نفسي مثلا حتى يكون خفاء معنى الطّلب على العقلاء قادحا في ظهوره ، بل معناها إنشائية واضحة عند الخواص والعوام سواء كان الطّلب عين الإرادة أو غيرها.
فإن قلت : لعلّ مراده أن استعمال تلك الصيغة لما كان المقصود منه الانتقال إلى الطّلب ، فإذا كان الطّلب أمرا خفيا فلا خفاء في منافاته لتداول تلك الصّيغ بين العامة والخاصة.
قلت : جوابه يظهر في ضمن جواب الشّق الأخير من الترديد.
وإن كان مراده بها لفظة الطّلب.
فنقول : إن كان حاصل كلامه أن اللّفظة المتداولة بين الخاصة والعامّة لا يجوز أن يكون معناها أمرا غير متحقّق فعدم التحقّق ممنوع ، وإن كان حاصله انّه لا يجوز أن يكون معناها شيئا لا يفهمه أحد لا بالكنه ولا بالوجه مطلقا فمسلّم. لكن لا نسلم أن ما نحن فيه كذلك وهو ظاهر وإن كان حاصله أنّه لا بدّ أن يكون معناها أمرا ظاهرا مفهوما لكلّ احد ممتازا عن ما عداه فغير مسلّم ، بل لا بدّ في تداول اللّفظ بين الخاصّة والعامّة أن يكون لهم العلم بمفهومه بوجه ما ، وأن يعلموا أنّه متى يحصل ولا يحصل وفي أي موضع حاصل وفي أيّ موضع ليس بحاصل