إذ سمعت صوتا من السماء ، فرفعت بصرى قبل السماء ، فإذا الملك الذى جاءنى بحراء قاعد على كرسى بين السماء والأرض فجثثت حتى هويت إلى الأرض ، فجئت أهلى ، فقلت : زمّلونى فزمّلونى. فأنزل الله تعالى (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) قال أبو سلمة والرجز : الأوثان ا ه قلت : وجثثت على وزن فرحت معناه ثقل جسمى عن القيام ، وسببه فزع الرسول وخوفه عليه الصلاة والسلام.
فظاهر هذه الرواية يدلّ على أن جابرا استند في كلامه على أن أول ما نزل من القرآن هو المدثر ، إلى ما سمعه من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يحدث عن فترة الوحى ، وكأنه لم يسمع بما حدّث به رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الوحى قبل فترته ، من نزول الملك على الرسول في حراء بصدر سورة اقرأ «كما روت عائشة» فاقتصر في إخباره على ما سمع ظانّا أنه ليس هناك غيره ، اجتهادا منه ، غير أنه أخطأ في اجتهاده بشهادة الأدلة السابقة في القول الأول ، ومعلوم أن النص يقدّم على الاجتهاد ، وأن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال ، سقط به الاستدلال ، فبطل إذا القول الثانى وثبت الأول.
القول الثالث :
أن أول ما نزل هو سورة الفاتحة. وقد استدلّ أصحاب هذا الرأى بما رواه البيهقى في الدلائل بسنده عن أبى ميسرة عمر بن شرحبيل أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لخديجة «إنى إذا خلوت وحدى سمعت نداء ، فقد والله خشيت على نفسى أن يكون هذا أمرا». قالت : معاذ الله ، ما كان الله ليفعل بك ، إنك لتؤدى الأمانة ، وتصل الرحم ، وتصدق الحديث. فلما دخل أبو بكر ذكرت خديجة حديثه له وقالت : أذهب مع محمد إلى ورقة. فانطلقا فقصّا عليه فقال : «إذا خلوت وحدى سمعت نداء خلفى يا محمد يا محمد ، فأنطلق هاربا في الأفق». فقال : لا تفعل إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول. ثم ائتنى فأخبرنى. فلمّا خلا ناداه