فهل يتّفق ذلك وما هو معروف عن النبى صلىاللهعليهوسلم من أنه كان أمّة وحده فى أخلاقه ، وثباته ، وحلمه ، وعقله ، ورباطة جاشه ، وسلامة جسمه ، وقوة بنائه؟
ثم كيف يتفق ذلك الداء العضال الذى أعيا الأطباء ، وما انتدب له محمد صلىاللهعليهوسلم من تكوين أمة شموس أبيّة ، وتربيتها على أسمى نواميس الهداية ، ودساتير الاجتماع ، وقوانين الأخلاق ، وقواعد النهضة والرقى؟! أضف إلى ذلك أنه نجح في هذه المحاولة المعجزة إلى درجة جعلت تلك الأمة بعد قرن واحد من الزمان ، هى أمة الأمم ، وصاحبة العلم ، وربّة السيف والقلم!! فهل المريض المتهوّس الذى لا يصلح لقيادة نفسه يتسنى له أن يقوم بهذه القيادة العالمية الفائقة ثم ينجح فيها هذا النجاح المعجز المدهش؟!
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد |
|
وينكر الفم طعم الماء من سقم |
«الشبهة التاسعة» يقولون : إنكم تستدلون على الوحى بإعجاز القرآن وتستدلون على إعجاز القرآن بما فيه من أسرار البلاغة ، ونحن لا ندرك تلك الأسرار ولا نسلّمها ، فلا نسلم الوحى المبنى عليها.
والجواب : أن للقرآن نواحى أخرى في الإعجاز غير ما يحويه من أسرار البلاغة والبيان ، ومن السهل معرفتها على من لم يتمهّر في علوم العربية واللسان. منها ما يحويه هذا التنزيل من المعارف السامية ، والتعاليم العالية ، فى العقائد والعبادات ، وفي التشريعات المدنية والجنائية ، والحربية والمالية ، والحقوق الشخصية ، والاجتماعية والدولية. وإن مقارنة بسيطة بين تلك الهدايات القرآنية وبين ما يوجد على وجه الأرض من سائر التشريعات الدّينية وغير الدينية ، توضّح لك ذلك الإعجاز الباهر ، خصوصا إذا لاحظت أن هذا الذى جاء بتلك المعارف الخارقة كان رجلا امّيا ، نشأ وعاش ، وشبّ وشاب ، وحىّ ومات ، بين أمة أمية ، كانت لا تدرى ما الكتاب ولا الإيمان!.