والجواب : يتبين لك مما قصصنا عليك في
المعجزة وفي ضرب المثل لها بعصى موسى. ويمكن تلخيصه بأن المعجزة نفحة من نفحات
الحق تخرج عن أفق الأسباب المعتادة ، والوسائل المشاهدة ، والغايات المألوفة. أما
السحر وما أشبهه ، فإنها فنون خبيثة ، ذات قواعد وأوضاع يعرفها كل من ألمّ بها ،
ويصل إلى وسائلها وغاياتها كلّ من عالجها من بابها. ولهذا كان أول من آمن بموسى هم
السحرة أنفسهم ، لأنهم أعلم بهذا الفرق الواضح ، والبون الشاسع ، كما تقدم.
«الشبهة الثالثة» يقولون : إن ما تسمونه
معجزات من العلوم والمعارف التى اشتمل على مثلها القرآن ، ما هى إلا آثار لمواهب
بعض النابغين من الناس ، وهذه المواهب وآثارها وجدت ويمكن أن توجد في كل أمة.
والجواب : أن مواهب النابغين ، ونبوغ
الموهوبين ، وما يكون منهم من آثار وأفكار ، كل ذلك له وسائل وعوامل ، ثم له أشباه
معتادة ونظائر ، فى كل أمة وجيل ، وفي كل عصر ومصر ، أما المعجزات فلن تجد لها من
وسائل ولا عوامل ، ولن تستطيع أن تصل إلى أشباه معتادة لها ونظائر ، اللهم إلا إذا
خرجنا عن نطاق الكون المعروف ، وسنن الوجود المألوف.
«الشبهة الرابعة» يقولون : إن خرق الله
لعاداته على أيدى رسله كما تقولون ، يعتبر خروجا عن النظام العامّ الذى تقتضيه
الحكمة ، وتناط به المصلحة.
والجواب : أن المعجزة ـ وإن كانت خارجة
عن حدود الأنظمة المعتادة لا تعتبر خروجا على النظام العامّ الذى تقضى به الحكمة ،
وتناط به المصلحة ، بل هى من مقتضيات ذلك النظام العامّ الذى تمليه الحكمة ،
وتوحيه المصلحة. وأىّ حكمة أجلّ من تأييد الحقّ وأهل الحق؟ وأىّ مصلحة أعظم من
اهتداء الخلق إلى طريق سعادتهم؟ بوساطة تلك المعجزات التى يفهمون منها مراد الخالق
من تأييد رسله ، ووجوب تصديقهم لهم ، واتباعهم إياهم.
«الشبهة الخامسة» يقولون : لو كان الوحى
ممكنا لأوحى الله إلى أفراد البشر عامة ، ولم يختصّ به شرذمة قليلين يجعلهم واسطة
بينه وبين خلقه.