والانحراف في العقيدة. وقد سلك في تفسيره «مفاتيح الغيب» المشهور بتفسير الفخر ، مسلك الحكماء الإلهيين. فصاغ أدلته في مباحث الإلهيات على نمط استدلالاتهم العقلية ، ولكن مع تهذيبها بما يوافق أصول أهل السنة. وكذلك تعرّض لشبههم بالنقض والتفنيد فى كثير من المواضع.
كما أنه سلك طريقة الطبيعيين في الكونيات فتكلّم في الأفلاك والأبراج ، وفي السماء والأرض ، وفي الحيوان والنبات ، وفي أجزاء الإنسان ، وغير ذلك مما جرّ إليه الاستدلال على وجود الله جلّ جلاله. غفر الله له وشكر صنيعه «والله خير الشّاكرين»
خ ـ مزج العلوم الأدبية والكونية
وغيرها بالتفسير ؛ وسبب ذلك ، وأثره
القرآن كتاب هداية وإعجاز ، وهدايته وإعجازه يصوّرهما المفسّر ويشرحهما في تفسيره ، على قدر ما فيه من استعداد ومقدرة ، وعلى قدر ما عند الناس من علوم ومعارف وأفكار.
ولقد مرّت على القرآن الكريم منذ نزوله إلى الآن عصور وقرون ، وأمم وأجيال والقرآن ـ كما كان وكما سيبقى ـ كتاب ينشر نور الهداية ويرفع لواء الإعجاز. وكان الذين شوفهوا به لأول مرة ، عربا اكتملت فيهم خصائص العروبة ، وإن كانوا مع ذلك أمّيّين لا إلمام لهم بالقراءة والكتابة ، ولا شأن لهم بعلوم تدرس ، ولا بكتب تقرأ.
لهذا وذاك كان فهمهم لهداية هذا الكتاب وإعجازه ، وتصويرهم لهما بالتفسير والبيان ، من الأمور الهينة السهلة ، الجارية على الفطرة والبساطة ، لا يحتاجون في ذلك إلى اصطلاحات فنية ، ولا إلى قواعد نحوية وبلاغية ، ولا إلى نظريات علميّة.
أما إعجازه فكان معروفا لهم بمحض السليقة العربية السليمة ، والذوق البلاغى الرقيق.
وأما هدايته فكانوا يفهمونها كذلك بعقولهم الصافية ، وذكائهم الموهوب ، ولغتهم العربية الفصحى التى نزل بها القرآن.