سَبِيلِ اللهِ. إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ).
غلطة التعصّب الرأى
واعلم أن هناك أفرادا بل أقواما تعصّبوا لآرائهم ومذاهبهم ، وزعموا أن من خالف هذه الآراء والمذاهب كان مبتدعا متّبعا لهواه ، ولو كان متأوّلا تأويلا سائغا يتسع له الدليل والبرهان. كأن رأيهم ومذهبهم هو المقياس والميزان ، أو كأنه الكتاب والسنة والإسلام. وهكذا استزلّهم الشيطان وأعماهم الغرور.
ولقد نجم عن هذه الغلطة الشنيعة أن تفرّق كثير من المسلمين شيعا وأحزابا ، وكانوا حربا على بعضهم وأعداء. وغاب عنهم أن الكتاب والسنة والإسلام أوسع من مذاهبهم وآرائهم ، وأن مذاهبهم وآراءهم أضيق من الكتاب والسنة والإسلام ، وأن في ميدان الحنيفية السمحة متسعا لحرية الأفكار ، واختلاف الأنظار ، ما دام الجميع معتصما بحبل من الله. ثم غاب عنهم أن الله تعالى يقول : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا. وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) ويقول جلّ ذكره : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) ويقول تقدّست أسماؤه : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ. وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ).
لمثل هذا أربأ بنفسى وبك أن نتّهم مسلما بالكفر أو البدعة والهوى لمجرد أنه خالفنا في رأى إسلامى نظرى ، فإن الترامى بالكفر والبدعة من أشنع الأمور. ولقد قرّر علماؤنا أن الكلمة إذا احتملت الكفر من تسعة وتسعين وجها ثم احتملت الإيمان من وجه واحد ، حملت على أحسن المحامل وهو الإيمان. وهذا موضوع