المعادية لدعوة الحق والإصلاح في ذلك العهد : دولة الفرس في الشرق ودولة الرومان في الغرب. تلك محوها من لوح الوجود بهدم طغيانها وإسلام شعبها ، وهذه سلبوها ما كان فى حوزتها من ممالك الشرق وشعوبه الكثيرة. ثم دانت لهم الدنيا فاستولوا على بعض بلاد أوربة ، وأقاموا فيها دولة عربية شامخة البنيان ، كانت بهجة الدنيا وزينة الحياة ، ومنها شعّ النور على الشعوب الأوربية ، وكانت النواة الناجحة في نهضتهم الحديثة الحاضرة. (تلك هى فردوس الأندلس المفقود)!!
أما غالب مسلمة اليوم. فقد اكتفوا من القرآن بألفاظ يردّدونها. وأنغام يلحّنونها ، فى المآتم والمقابر والدور. وبمصاحف يحملونها أو يودعونها بركة في البيوت. ونسوا أن بركة القرآن العظمى إنما هى في تدبّره وتفهمه ؛ وفي الجلوس إليه والاستفادة من هديه وآدابه ، ثم في الوقوف عند أوامره ومراضيه ، والبعد عن مساخطه ونواهيه. والله تعالى يقول : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) ، ويقول سبحانه : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ؟ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) ويقول جلّ ذكره : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ؟).
فما أشبه المسلمين اليوم بالعطشان يموت من الظمأ والماء بين يديه ، وبالحيوان يهلك من الإعياء والنور من حوله يهديه السبيل لو فتح عينيه. (ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ).
ألا إن آخر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها ، وهو أن يعودوا إلى كتاب الله يستلهمونه الرشد ، ويستمنحونه الهدى ، ويحكمونه في نفوسهم وفي كل ما يتصل بهم كما كان آباؤنا الأولون يتلونه حق تلاوته بتدبر وتفكر في مجالسهم ومساجدهم وأنديتهم وبيوتهم ، وفي صلواتهم المفروضة والنافلة ، وفي تهجدهم بالليل