وبدون التفسير لا يمكن الوصول إلى هذه الكنوز والذخائر ، مهما بالغ الناس فى ترديد ألفاظ القرآن ، وتوافروا على قراءته كل يوم ألف مرة بجميع وجوهه التى نزل عليها.
وهنا تلمح السرّ في تأخر مسلمة هذا الزمن على رغم وفرة المصاحف في أيديهم ووجود ملايين الحفّاظ بين ظهرانيهم ، وعلى رغم كثرة عددهم ، واتساع بلادهم في حين أن سلفنا الصالح نجحوا بهذا القرآن نجاحا مدهشا كان وما زال موضع إعجاب التاريخ والمؤرخين.
مع أن أسلافنا أولئك كانوا في قلة من العدد ، وضيق من الأرض ، وخشونة من العيش ، ومع أن نسخ القرآن ومصاحفه لم تكن ميسورة لهم. ومع أن حفّاظه لم يكونوا بهذه الكثرة الغامرة.
أجل إن السرّ في ذلك هو أنهم توفروا على دراسة القرآن واستخراج كنوز هداياته ، يستعينون على هذه الثقافة العليا بمواهبهم الفطرية وملكاتهم السليمة العربية من ناحية ، وبما يشرح رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويبينه لهم بأقواله وأعماله وأخلاقه وسائر أحواله كما قال سبحانه : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).
وعلى ذلك كان همهم الأول هو القرآن الكريم يحفظونه ويفهمونه قبل أن يحفظوه ، ثم يعملون بتعاليمه بدقّة ، ويهتدون بهدية في يقظة.
بهذا وحده صفت أرواحهم ، وطهرت نفوسهم ، وعظمت آثارهم ؛ لأن الروح الإنسانى هو أقوى شىء في هذا الوجود فمتى صفى وتهذّب ، وحسن توجيهه وتأدّب ، أتى بالعجب العجاب ، (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ).
وكذلك أتت الأمة العربية بالعجب العاجب ، فى الهداية والإرشاد وإنقاذ العالم وإصلاح البشر ، وكتب الله لهم النصر والتأييد والدولة والظفر ، حتى على أقوى الدول