هؤلاء لجاز. وتعيينهم إما لكونهم تصدوا للإقراء أكثر من غيرهم ، أو لأنهم شيوخ المعين كما تقدم. ومن ثمّ كره من كره من السلف أن تنسب القراءة إلى أحد. روى ابن أبى داود عن إبراهيم النخعى قال : كانوا يكرهون سند فلان وقراءة فلان. قلت : وذلك خوفا مما توهمه أبو شامة من القراءة إذا نسبت إلى شخص تكون آحادية. ولم يدر أن كل قراءة نسبت إلى قارئ من هؤلاء كان قراؤها زمن قارئها وقبله أكثر من قرائها فى هذا الزمن وأضعافهم. ولو لم يكن انفراد القراء متواترا لكان بعض القرءان غير متواتر ، لأنا نجد في القرآن أحرفا تختلف القراء فيها ، وكلّ منهم على قراءة لا توافق الآخر ، كأرجه وغيرها ، فلا يكون شىء منها متواترا. وأيضا قراءة من قرأ «مالك ويخادعون» فكثير من القرآن غير متواتر ، لأن التواتر لا يثبت باثنين ولا بثلاثة.
قال الإمام الجعبرى في رسالته : وكل وجه من وجوه قراءته كذلك (يعنى متواترا) لأنها أبعاضه. ثم قال : فظهر من هذا فساد قول من قال : هو متواتر دونها ، إذ هو عبارة عن مجموعها.
ثم قال ابن الجزرى : ومما يحقق لك أن قراءة أهل كل بلد متواترة بالنسبة إليهم أن الإمام الشافعى رضى الله عنه جعل البسملة من القرآن مع أن روايته عن شيخه مالك تقتضى عدم كونها من القرآن ، لأنه من أهل مكة وهم يثبتون البسملة بين السورتين ويعدّونها من أول الفاتحة آية ، وهو قرأ قراءة ابن كثير على إسماعيل القسط عن ابن كثير ، فلم يعتمد في روايته عن مالك في عدم البسملة ، لأنها آحاد ، واعتمد على قراءة ابن كثير لأنها متواترة. وهذا لطيف فتأمله ، فإننى كنت أجد في كتب أصحابنا يقولون : إن الشافعى رضى الله عنه روى حديث عدم البسملة عن مالك ولم يعوّل عليه ، فدلّ على أنه ظهرت له فيه علة ، وإلا لما ترك العمل به. قلت : ولم أر أحدا من أصحابنا