فكأن التواتر كان يطلب تحصيله في الإسناد قبل أن يقوم المصحف وثيقة متواترة بالقرآن. أما بعد وجود هذا المصحف المجمع عليه ، فيكفى في الرواية صحّتها وشهرتها متى وافقت رسم هذا المصحف ولسان العرب.
قال صاحب الكواكب الدرية نقلا عن المحقق ابن الجزرى ما نصه : «قولنا :
وصحّ سندها» نعنى به أن يروى تلك القراءة العدل الضابط عن مثله ، وهكذا حتى ينتهى ، وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له غير معدودة عندهم من الغلط أو مما شذّ به بعضهم.
وقد شرط بعض المتأخرين التواتر في هذا الركن ولم يكتف بصحة السند وزعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر (١). وأن ما جاء مجىء الآحاد لا يثبت به قرآن. وهذا مما لا يخفى ما فيه ، فإن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الآخرين من موافقة الرسم وغيره. إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواترا عن النبى صلىاللهعليهوسلم وجب قبوله وقطع بكونه قرآنا ، سواء وافق الرسم أم خالفه» ا ه.
وبهذا التوجيه الذى وجّهنا به الضابط المذكور ، يهون اعتراض العلامة النويرى فى شرحه على الطيّبة ، إذ يقول ما نصّه : وقوله : «وصحّ إسنادا» ظاهره أن القرآن يكتفى في ثبوته مع الشرطين المتقدمين بصحّة السند فقط ولا يحتاج إلى تواتر. وهذا قول حادث مخالف لإجماع الفقهاء والمحدثين وغيرهم ، كما ستراه إن شاء الله تعالى. ولقد ضلّ بسبب هذا القول قوم فصاروا يقرءون أحرفا لا يصح لها سند أصلا ، ويقولون : التواتر
__________________
(١) أى في هذا الضابط الذى لوحظ فيه وجود الركنين الآخرين مع هذا الركن.
وإنما فسرنا كلامه بذلك لأن التواتر مجرد شرط أو شطر في القرآن كما هو التحقيق.
ولأن موضوع حديثه هنا إنما هو اشتراط التواتر في هذا الركن الذى هو جزء من الضابط ، كما صرح به أولا ، وكما يرشد إليه كلامه آخرا.