والجواب أن هذه الشبهة لا ترد على القول بأن الترتيب اجتهادى ، ولا على القول بأن منه اجتهاديا ومنه توقيفيا. أما الأول فظاهر ، وأما الثانى فلأن اجتهاد عثمان كان فيما لم يرد فيه توقيف من الشارع.
أما القول بأن ترتيب السور كله توقيفى ، فقد أجابوا على هذه الشبهة بجوابين :
(أولهما) : أن حديث ابن عباس هذا غير صحيح لأن الترمذى ـ وهو راويه ـ قال في تخريجه إنه حسن غريب لا يعرف إلا من طريق يزيد الفارسى عن ابن عباس. ويزيد هذا مجهول الحال فلا يصح الاعتماد على حديثه الذى انفرد به في ترتيب القرآن.
(ثانيهما) : أنه على فرض صحّته يجوز أن جواب عثمان لابن عباس كان قبل أن يعلم بالتوقيف ثم علمه بعد ذلك. لكن يرد على هذا الجواب أن الرواية تفيد أن جواب عثمان هذا كان بعد جمع القرآن وترتيب سوره ، فكيف كان توقيفيّا وعثمان هو الجامع والمرتّب ولا يعلم دليل التوقيف؟.
المبحث العاشر
فى كتابة القرآن ورسمه ومصاحفه وما يتعلق بذلك
ا ـ الكتابة
معروف أن الأمة العربية كانت موسومة بالأمية مشهورة بها لا تدرى ما الكتابة ولا الخط. وجاء القرآن يتحدّث عن أميتها هذه فقال : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
ولم يشذّ عن هذه القاعدة إلا أفراد قلائل في قريش ، تعلّموا الخط ودرسوه قبيل الإسلام ،