شبهتان خفيفتان
(الشبهة الأولى) ، يقولون : كيف كان ترتيب القرآن توقيفيّا مع أن مصاحف الصحابة كانت مختلفة؟.
والجواب أن هذه الشبهة لا ترد على القائلين بأن ترتيب السور كلها اجتهادى أما القائلون بأن منه اجتهاديّا ومنه توقيفيّا ، فمن السهل الجواب عنهم بأن الاختلاف بين الصحابة وقع في القسم الاجتهادى لا التوقيفى. وأما القائلون بأن ترتيب السور كله توقيفى ، فيمكن الجواب عنهم بأنهم اختلفوا فيما اختلفوا قبل أن يعلموا التوقيف فيه. ولما جمع عثمان القرآن على هذا الترتيب علموا ما لم يكونوا يعلمونه ، ولذلك تركوا ترتيب مصاحفهم ، وأخذوا بترتيب عثمان. ويهوّن الأمر في اختلاف مصاحفهم أنها كانت مصاحف فردية ، لم يكونوا يكتبونها للناس إنما كانوا يكتبونها لأنفسهم ، فبدهىّ أن الواحد منهم لم يثبت فيها إلا ما وصل إليه بمجهوده الفردى ، وقد يفوته ما لم يفت سواه من تحقيق أدقّ أو علم أوسع. ولهذا كان يوجد بتلك المصاحف الفردية بعض آيات قد تكون منسوخة ، وربما لم يبلغ صاحب ذاك المصحف نسخها. وقد يهمل صاحب المصحف إثبات سورة لشهزتها وغناها بهذه الشهرة عن الإثبات ، كما ورد أن مصحف ابن مسعود لم تكن به الفاتحة. وقد يكتب صاحب المصحف ما يرى أنه بحاجة إليه من غير القرآن في نفس المصحف كما تقدّم ذلك في قنوت الحنفية الذى روى أن بعض الصحابة كان قد كتبه بمصحفه وسماه سورة الخلع والحفد.
(الشبهة الثانية) يقولون : كيف يكون ترتيب القرآن توقيفيّا على حين أن رواية ابن عباس السابقة تصرح بأن عثمان لم يسمع في شأن ترتيب الأنفال مع براءة شيئا إنما هو اجتهاد ونظر منه؟.
(٢٣ ـ مناهل العرفان)