ولم يعرف التاريخ ولن يعرف قدوة أسمى ، ولا أسوة أعلى ، ولا إمامة أسنى ، من محمد صلىاللهعليهوسلم ، فى كافّة مناحى الكمال البشرى ، خصوصا خلقه الرضىّ ، وأدبه السنىّ ، ولا سيما صدقه وأمانته ، وتحرّيه ودقّته!.
أجل : فقد كان صلىاللهعليهوسلم مشهورا بالصدق ، معروفا بالأمانة ، حتى من قبل بعثته ورسالته ، فكان إذا سار أشاروا إليه بالبنان ؛ وقالوا : هذا هو الصادق ، وإذا حكم رضوا حكومته وقالوا : هذا هو الأمين!
وكانت هذه الفضائل المشرقة فيه ، من بواعث إيمان المنصفين من أهل الجاهلية به. ولقد اضطرّ أن يشهد له بها أعداؤه الألدّاء ، كما آمن بها أتباعه الأوفياء! فهذا أبو سفيان بن حرب زعيم حزب المعارضة له يقرّ بين يدى قيصر الرّوم بصدق محمد وأنهم لم يحفظوا عليه كذبة واحدة قبل رسالته ، ويكاد يؤمن القيصر متأثّرا في جملة ما تأثّر ، بهذه الشهادة التى انطلق بها لسان ألدّ خصوم محمد يومئذ ، ثم يقول في التعليق على كلام أبى سفيان والتنويه بصدق محمد عليه الصلاة والسلام : «بما كان (أى محمد) ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله»! والحديث طويل مشهور يرويه البخارى في صحيحه. فراجعه إن شئت.
وهذا قائل قريش يقول للنبى صلىاللهعليهوسلم في معرض من المعارض : إنا لا نكذّبك ولكن نكذّب ما جئت به. وبسبب ذلك أنزل الله تعالى : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ).
ومما يذكر بالإعجاب والفخر لنبى الإسلام صلىاللهعليهوسلم أنه عرض الإسلام على بنى عامر بن صعصعة ، وذلك قبل الهجرة ، وقبل أن تقوم للدين شوكة ، فقال كبيرهم : أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ، ثم أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ فأجابه صلىاللهعليهوسلم بتلك الكلمة الحكيمة الخالدة :