الاستثناء الصورىّ فائدتان : إحداهما ترجع إلى النبى صلىاللهعليهوسلم حيث يشعر دائما أنه مغمور بنعمة الله وعنايته ، ما دام متذكرا للقرآن لا ينساه. والثانية تعود على أمته حيث يعلمون أن نبيهم صلىاللهعليهوسلم فيما خصه الله به من العطايا والخصائص لم يخرج عن دائرة العبودية ، فلا يفتنون فيه كما فتن النصارى في المسيح بن مريم.
والدليل على أن هذا الاستثناء صورىّ لا حقيقى أمران : (أحدهما) ما جاء في سبب النزول وهو أن النبى صلىاللهعليهوسلم كان يتعب نفسه بكثرة قراءة القرآن حتى وقت نزول الوحى ، مخافة أن ينساه ويفلت منه ، فاقتضت رحمة الله بحبيبه أن يطمئنه من هذه الناحية ، وأن يريحه من هذا العناء ، فنزلت هذه الآية. كما نزلت آية (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) وآية (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ، وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً).
(ثانيهما) أن قوله (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) يعلق وقوع النسيان على مشيئة الله إياه.
والمشيئة لم تقع بدليل ما مرّ بك من نحو قوله : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ). وإذا فالنسيان لم يقع ، للعلم بأن عدم حصول المعلق عليه يستلزم عدم حصول المعلق. فالذى عنده ذوق لأساليب اللغة ، ونظر في وجوه الأدلة ، لا يتردّد في أن الآية وعد من الله أكيد ، بأن الرسول يقرئه الله فلا ينسى ، وعدا منه على وجه التأبيد ، من غير استثناء حقيقى لوقت من الأوقات. وإلا لما كانت الآية مطمئنة له عليه الصلاة والسلام ، ولكان نزولها أشبه بالعبث ولغو الكلام!.
قال العلامة المرحوم الشيخ محمد عبده عند تفسيره للاستثناء في هذه الآية ما نصه : «ولما كان الوعد على وجه التأبيد واللزوم ، ربما يوهم أن قدرة الله لا تسع غيره ، وأن ذلك خارج عن إرادته جلّ شأنه ، جاء بالاستثناء في قوله (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ، فإنه إذا أراد أن ينسيك شيئا لم يعجزه ذلك ، فالقصد هو نفى النسيان رأسا. وقالوا : إن ذلك