يكتبوه بالرسمين في مصحف واحد خشية أن يتوهّم أن اللفظ نزل مكررا بالوجهين في قراءة واحدة ، وليس كذلك. بل هما قراءتان نزل اللفظ في إحداهما بوجه واحد ، وفي الثانية بوجه آخر من غير تكرار في واحدة منهما.
وكذلك كانوا يتحاشون أن يكتبوا هذا اللفظ في مصحف واحد برسمين : أحدهما في الأصل والآخر في الحاشية ، لئلا يتوهم أن الثانى تصحيح للأول. أضف إلى ذلك أن كتابة أحدهما في الأصل والآخر في الحاشية دون العكس تحكّم ، أو ترجيح بلا مرجّح وذلك نحو كلمة (وصّى) بالتضعيف و (أوصى) بالهمز كما سبق.
أما اللفظ الذى تختلف فيه القراءات ، ويدلّ عليه الرسم بصورة واحدة تحتمل هذا الاختلاف ويساعدهم عليه ترك الإعجام والشكل نحو «فتبيّنوا» «وننشرها» كما سلف بيانه ، فتكون دلالة الخط الواحد على كلا اللفظين المنقولين ، شبيهة بدلالة المشترك اللفظى على كلا المعنيين المعقولين. والذى دعا الصحابة إلى انتهاج هذه الخطّة في رسم المصاحف وكتابتها أنهم تلقوا القرآن عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بجميع وجوه قراءاته ، وبكافة حروفه التى نزل عليها ، فكانت هذه الطريقة أدبى إلى الإحاطة بالقرآن على وجوهه كلها ، حتى لا يقال : إنهم أسقطوا شيئا من قراءاته ، أو منعوا أحدا من القراءة بأىّ حرف شاء ؛ على حين أنها كلها منقولة نقلا متواترا عن النبى صلىاللهعليهوسلم. ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «فأىّ ذلك قرأتم أصبتم فلا تماروا» وكان من الدستور الذى وضعه عثمان رضى الله عنه لهم في هذا الجمع أيضا أنه قال لهؤلاء القرشيين «إذا اختلفتم أنتم وزيد ابن ثابت في شىء من القرآن ، فاكتبوه بلسان قريش ، فإنما نزل بلسانهم» ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة ؛ وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.