جمع القرآن بمعنى كتابته في عهد
رسول الله صلىاللهعليهوسلم
قلنا : إن همّة الرسول وأصحابه كانت منصرفة أول الأمر ، إلى جمع القرآن في القلوب بحفظه واستظهاره ضرورة أنه نبىّ أمىّ بعثه الله في الأميين. أضف إلى ذلك أن أدوات الكتابة لم تكن ميسورة لديهم في ذلك العهد. ومن هنا كان التعويل على الحفظ في الصدور ، يفوق التعويل على الحفظ بين السطور. على عادة العرب أيامئذ من جعل صفحات صدورهم وقلوبهم ، دواوين لأشعارهم وأنسابهم ومفاخرهم وأيامهم.
ولكن القرآن حظى بأوفى نصيب من عناية النبى صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، فلم تصرفهم عنايتهم بحفظه واستظهاره ، عن عنايتهم بكتابته ونقشه ؛ ولكن بمقدار ما سمحت به وسائل الكتابة وأدواتها في عصرهم.
فها هو ذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قد اتّخذ كتّابا للوحى ، كلما نزل شىء من القرآن أمرهم بكتابته ، مبالغة في تسجيله وتقييده. وزيادة في التوثّق والضبط والاحتياط في كتاب الله تعالى ، حتى تظاهر الكتابة الحفظ ويعاضد النقش اللفظ.
وكان هؤلاء الكتاب من خيرة الصحابة ، فيهم أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلى ، ومعاوية ، وأبان بن سعيد ، وخالد بن الوليد ، وأبى بن كعب ، وزيد ابن ثابت ، وثابت بن قيس ، وغيرهم. وكان صلىاللهعليهوسلم يدلهم على موضع المكتوب من سورته. فيكتبونه فيما يسهل عليهم من العسب (١) واللّخاف (٢) ،
__________________
(١) العسب بضم العين والسين ـ جمع عسيب ـ وهو جريد النخل ، كانوا يكشفون الخوص ويكتبون في الطرف العريض.
(٢) اللخاف ـ بكسر اللام ـ جمع لخفة بفتح اللام وسكون الخاء وهى الحجارة الرقيقة. وقال الخطابى : صفائح الحجارة.