الشبهة الأولى وفي طيها شبهات
يقولون : إن الباحث الناقد ، يلاحظ أن في القرآن أسلوبين متعارضين ، لا تربط الأول بالثانى صلة ولا علاقة ، مما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن هذا الكتاب قد خضع لظروف مختلفة ، وتأثر ببيئات متباينة ؛ فنرى أن القسم المكى منه يمتاز بكل مميزات الأوساط المنحطّة ، كما نشاهد القسم المدنى منه تلوح عليه أمارات الثقافة والاستنارة. فالقسم المكى يتفرّد بالعنف والشدّة ، والقسوة والحدّة ، والغضب ، والسباب ، والوعيد والتهديد.
مثل سورة (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) وسورة (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) وسورة (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) ومثل (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ* إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ).
والجواب : أن هذه الشبهة تتألّف من شبهات أربع ، وإن شئت فقل : تتألف من مقدّمات ثلاث كواذب ، تتأدّى ، أو يريد صاحبها أن يتأدّى بها إلى نتيجة هى الأخرى كاذبة.
فأما المقدّمات الثلاث الكواذب فهى أن القسم المكى تفرّد بالعنف والشدّة ، وأنّ فيه سبابا وإقذاعا ، وأنه يمتاز بكل مميزات الأوساط المنحطّة. وأما النتيجة أو الهدف الذى يرمى إليه فهو أن القرآن مفكّك الأجزاء ، غير متصل الحلقات ، وأنه خاضع للظروف ، متأثر بالبيئة.
وغرضهم من هذا معروف طبعا ، وهو أن القرآن ليس كلام الله وليس معجزا إنما هو كلام محمد الذى تأثر أولا بأهل مكة فكان كلامه خشنا بعيدا عن المعارف العالية التى اكتسبها من أهل الكتاب في المدينة.
ذلك كله ما يجب أن نحمل عليه انتقاد أولئك المضللين ، فإن قرينة عداوتهم للحق