أن يثبتوا للأحرف الستة التى يقولون بضياعها نسخا ولا رفعا ، وأسلمهم هذا العجز إلى ورطة أخرى ، هى دعوى إجماع الأمة على أن تثبت على حرف واحد ، وأن ترفض القراءة بجميع ما عداه من الأحرف الستة. وأنّى يكون لهم هذا الإجماع ولا دليل عليه؟ هنا لك احتالوا على إثباته بورطة ثالثة ، وهى القول بأن استنساخ المصاحف في زمن عثمان رضى الله عنه كان إجماعا من الأمة على ترك الحروف الستة والاقتصار على حرف واحد هو الذى نسخ عثمان المصاحف عليه ، مع أننا أثبتنا لك فيما مرّ بقاء الأحرف السبعة في المصاحف العثمانية حرفا حرفا ، ومثّلنا لذلك. وقصارى ما استطاعوا أن يسوّغوا به مذهبهم وتورّطاتهم هذه ، أن الأمة على عهد عثمان رضى الله عنه قد اختلفت في قراءات القرآن إلى حدّ جعلهم يتنازعون ويترامون بتكفير بعضهم بعضا ، حتى خيفت الفتنة ، فرأى الصحابة بقيادة خليفتهم الحكيم عثمان رضى الله عنه أن يعالجوا المشكلة ، ويطفئوا الفتنة ، بهذه الطريقة ، من جمع الناس على حرف واحد ، ونسخ المصاحف على حرف واحد ، وإهمال كل ما عداه من الحروف والمصاحف المنسوخة عليها.
وهذا ـ لعمرك ـ استناد مائل ، واحتجاج باطل. فقد تنازع الناس على عهد الرسول صلىاللهعليهوسلم أيضا في قراءات القرآن على حروف مختلفة ، كما رأيت في الروايات السابقة ، ومع ذلك أقرّهم الرسول على هذه الحروف المختلفة ، وقرّرها فيهم ، وحملهم على التسليم بها في أساليب متنوّعة. وجعل ذلك هو الحلّ الوحيد لمشكلتهم ، والعلاج الناجع لنزاعهم. وأفهمهم أن تعدّد وجوه القراءة إنما هو رحمة من الله بهم ، بل بالأمة كلها. وقرّر في صراحة وهو يسأل مولاه المزيد من عدد الحروف أنّ الأمة لا تطيق حصرها في مضيق حرف واحد ، وقال : «وإنّ أمّتى لا تطيق ذلك» إلى آخر ما عرفت. وأنت خبير بأن أمة محمد صلىاللهعليهوسلم باقية إلى يوم القيامة. وهى لا تطيق ذلك كما قرّر رسولها المعصوم الرحيم صلوات الله وسلامه عليه. كما نشاهد نحن الآن من أن بعض الألسنة في بعض الشعوب الإسلامية ، لا يتيسّر لها أن تحسن النطق ببعض الحروف ولا ببعض اللهجات دون بعض ـ