لا تنافى تلك الفرضيّة كما فهم عروة إنّما الذى ينفيها أن يقال : «فلا جناح عليه ألّا يطوف بهما وإنما توجّه نفى الحرج في الآية عن الطواف بين الصفا والمروة ، لأن هذا الحرج هو الذى كان واقرا في أذهان الأنصار ، كما يدلّ عليه سبب نزول الآية الذى ذكرته السيدة عائشة فتدبر.
(الفائدة الثالثة) دفع توهم الحصر ، عمّا يفيد بظاهره الحصر : نحو قوله سبحانه فى سورة الأنعام : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ، فَإِنَّهُ رِجْسٌ ، أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ). ذهب الشافعى إلى أن الحصر في هذه الآية غير مقصود ، واستعان على دفع توهّمه ، بأنها نزلت بسبب أولئك الكفار الذين أبوا إلا أن يحرّموا ما أحل الله ويحلّوا ما حرّم الله ، عنادا منهم ومحادة لله ورسوله ، فنزلت الآية بهذا الحصر الصورى مشادّة لهم ومحادة من الله ورسوله ، لا قصدا إلى حقيقة الحصر.
نقل السبكى عن الشافعى انه قال ما معناه : «إن الكفار لما حرّموا ما أحلّ الله ، وأحلّوا ما حرّم الله ، وكانوا على المضادة والمحادة جاءت الآية مناقضة لغرضهم. فكأنه قال : لا حلال إلّا ما حرّمتموه ، ولا حرام إلا ما أحللتموه. نازلا منزلة من يقول لك : لا تأكل اليوم حلاوة فتقول لا آكل اليوم إلا حلاوة ، والغرض المضادة لا النفى والإثبات على الحقيقة. فكأنه تعالى قال : «لا حرام إلّا ما أحللتموه من الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، وما أهلّ لغير الله به» ولم يقصد حل ما وراءه ، إذ القصد إثبات التحريم ، لا إثبات الحلّ ا ه.
قال إمام الحرمين : وهذا في غاية الحسن ، ولو لا سبق الشافعى إلى ذلك لما كنا نستجيز مخالفة مالك في حصر المحرمات فيما ذكرته الآية ا ه.
(الفائدة الرابعة) تخصيص الحكم بالسبب ، عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ. فآيات الظهار في مفتتح سوة المجادلة ـ وقد تقدمت ـ