قوله سبحانه :
(وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) وقال (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) لا تناقض بينهما لأنه غير ممتنع أن تنضم إلى الريح صاعقة في إهلاك قوم عاد فيسوغ أن يخبر في موضع أنه أهلكهم بالريح وفي آخر أنه أهلكهم بالصاعقة وقد يجوز أن يكون الريح نفسها هي الصاعقة لأن كل شيء صعق الناس منه فهو صاعقة وكذلك القول في الرجفة أنه غير ممتنع أن يقرن بالصاعقة الرجفة وقد يمكن أن يكون الرجفة هي الصاعقة لأنهم صعقوا عندها.
قوله سبحانه :
(ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) قالوا إن الماء في عهد نوح لما عم جميع الأرض لم ينج من الغرق إلا أصحاب السفينة كالريح المسخرة لما اعتصم منها هود وصحبه بحيث لم تهب فيه هذه الريح المهلكة والله تعالى قادر على أن يخص بالريح أرضا دون أرض أو يكف عن هود الجواب أنه غير ممتنع أن يكف عن هود وصحبه هبوبها وتأثير اعتماداتها كما كف إحراق النار عن إبراهيم يبردها في جسمه وإن كان حاصلا فيها.
قوله سبحانه :
(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) وهذه الأشياء جمادات لا يصح تكليفها المراد عرضنا على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال كقوله (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) وقيل المعنى في ذلك تفخيم شأن الأمانة وتعظيم حقها وإن من عظم منزلتها أنها لو عرضت على الجبال والسماوات مع عظمها وكانت تعلم بأمرها لأشفقت منها غير أنه خرج مخرج الواقع لأنه أبلغ في المقدور وقال البلخي معنى العرض والإباء ليس هو مما يفهم بظاهر الكلام بل إنما أراد تعالى أن يخبر بعظم شأن الأمانة وأنه وجد السماوات مع عظمها لا تحتملها وأن الإنسان حملها أي احتملها ثم خانها وهذا كقولهم سألت الربع وخاطبت الدار فقالت كذا وربما قالوا فلم تجب وقوله (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) وقوله (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا. تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا) قال جرير لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع وقال آخر فقال لي البحر إذ جئته وكيف يجير ضرير ضريرا ومعنى الإباء الامتناع يقال هذه الأرض تأبى الزرع والغرس أي لا تصلح لهما فيكون المعنى (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) أي لا تصلح لحملها لأنه لا يصلح لحمل الأمانة إلا من كان حيا قادرا عالما سميعا بصيرا.