فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا.
قوله سبحانه :
(وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) هو الضر الذي قد يكون محنة وليس بمنكر أن يكون أمراض أيوب ع ومحنة في جسمه وأهله وماله بلغت مبلغا عظيما لكون اللطف والمصلحة فيها وإنما ينكر الأمراض المستقذرة مثل البرص والجذام وفيه كلام كثير وأما الأمراض النازلة به فكانت اختبارا وتعريضا للثواب بالصبر عليها والعوض العظيم في مقابلتها
فصل
قوله تعالى قصة شعيب ع (قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) الملة التي عناها الله تعالى إنما هي الشرعيات لقوم شعيب وهي منسوخة عندهم دون الاعتقادات في الأصول والشرعيات يجوز فيها اختلاف العبادة من حيث تتبع المصالح والألطاف والمعلوم من أحوال المكلفين فكأنه قال إن ملتكم لا نعود فيها مع علمنا بأن الله تعالى قد نسخها إلا أن يشاء الله أن يتعبدنا بمثلها فنعود إليها وتلك الأفعال التي كانوا ممسكين بها مع نسخها عنهم ونهيهم عنها وإن كانت ضلالا وكفرا فقد يجوز فيما هو مثلها أن يكون إيمانا بل فيها أنفسها قد كان يجوز ذلك وليس تجري هذه الأفعال مجرى الجهل بالله الذي لا يجوز أن يكون إلا قبيحا وأراد أن ذلك لا يكون أبدا من شعيب إلا بمشية الله لما كان معلوما أنه لا يشاء وكل أمر علق بما لا يكون فقد نفي كونه على أبعد الوجوه كقوله (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) يقال لا أفعل ذلك حتى يبيض القار ويشيب الغراب وقال قطرب في الكلام تقديم وتأخير والاستثناء من الكفار وقع لا من شعيب فكأنه تعالى قال حاكيا عن الكفار (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا) إلا أن يشاء الله أن تعود في ملتنا ثم قال تعالى حاكيا عن شعيب (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها) على حال الهاء من فيها تعود إلى القرية لا إلى الملة لأنه قد تقدم ذكرهما المعنى (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أن يردكم إلى الحق فنكون جميعا على ملة واحدة لأنه لما حكى عنهم (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) كان معناه أو لنكونن على ملة واحدة فحسن أن يقول من بعد (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أن يجمعكم معنا على ملة واحدة