(وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ) أي وبال مكرهم يعود إليهم ولا يصح أن يمكر الإنسان بنفسه على الحقيقة لأنه لا يصح أن يخفي عن نفسه ما يحتال به عليها كما يصح أن يخفي ذلك عن غيره.
قوله سبحانه :
(وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) المكر هو إدخال الضرر على الغير حيلا كان أو سلبا من جهة الحيلة والتورية والله يتعالى عن ذلك وليس المكر من الإضلال بسبيل لأنه يستعمل في الحروب وفي أمور يستعمل فيها الحيل وقد يسمى قصد الإنسان بتدبير مكرا كقوله (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وليس ذلك إضلالهم إياه عن الدين بل هو كما فسره بقوله (لِيُثْبِتُوكَ) والإجماع أن قوله يمكرون إنما هو ما كانوا يكيدون به النبي ع من القصد لإهلاكه وأخبر أنه مكر لهم أي أهلكهم من حيث لا يعلمونه أو جازاهم على مكرهم فسمي الجزاء على المكر مكرا كما سمي الجزاء على الاعتداء اعتداء وهذا من باب تسمية الابتداء باسم العاقبة والعاقبة باسم الابتداء. نظم :
وإني لأستحيي من الله أن أرى |
|
يخالف قولي الفعل سرا ولا جهرا |
أبي ذلك خوف الله جل ثناؤه |
|
وهل يأمن الإنسان من ربه المكرا |
قوله سبحانه :
(وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) يعني قولهم قبل الآية (قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ) ومكرنا مكرا أي جازيناهم على مكرهم بأنا (دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) أي أهلكناهم عن آخرهم وقيل إن الله تعالى أرسل عليهم صخرة عظيمة أهلكهم بها وقيل أي أبحنا المؤمنين المكر بالكفار بكل ما يقدرون عليه من الإضرار بهم وإلجائهم إلى الإيمان وإنما نسبه إلى نفسه لما كان بأمره قَالَ النَّبِيُّ ع الْحَرْبُ خُدْعَةٌ. كما فعله ع بالمشركين عند اجتماعهم على الإيقاع به فأمر عليا ع بالمبيت على فراشه والهجرة إلى حيث أمره الله فأضاف ما فعله وفعله المؤمنون إلى نفسه من حيث كان ذلك بأمره وتعليمه كما قال (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ) إلى قوله (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) قال الطبري والخطيب في تاريخهما والقزويني والثعلبي في تفسيريهما كان مكر الله بيات علي على فراش النبي ع قال الشاعر :