مع أنّ الأصل يوافقه وإيجاب الإسكان لها يقتضي إيجاب النّفقة فإنّها تابعة لها بل أولى لكثرة الاحتياج إليها ومن ثمّ لم يجب السّكنى للحامل المتوفّى عنها زوجها وان قلنا بثبوت النّفقة لها على احتمال لعدم النّصّ وبطلان القياس.
وبظاهر الآية أخذ أبو حنيفة والشّافعيّ ومالك واتّفقوا على وجوب الإسكان في كلّ مطلّقة وان كان الطّلاق باينا وزاد الحنفيّة الإنفاق لهنّ مطلقا وخصّ الشّافعيّ ومالك الإنفاق على الحامل كما اقتضته الآية بعد ويؤيّد قول الأصحاب ما رواه العامّة عن فاطمة بنت قيس (١) انّ زوجها أبتّ طلاقها فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا سكنى لك ولا نفقة ومن هنا تبعيضيّة مبعّضها محذوف تقديره اسكنوهن مكانا بعض مكان من سكناكم وقوله تعالى.
(مِنْ وُجْدِكُمْ) عطف بيان لقوله من حيث سكنتم وتفسير له كأنّه قيل اسكنوهن مكانا من مساكنكم ممّا تطيقونه وتقدرون على تحصيله بسهولة لا بمشقّة ومن ثمّ قال قتادة : ان لم يكن له إلّا بيت واحد فأسكنها؟؟؟ في بعض جوانبه والوجد الوسع والطّاقة وروى بالحركات الثّلاث.
(وَلا تُضآرُّوهُنَّ) ولا تستعملوا معهنّ الضّرار ، والمضارّة معاملة بما يطلب به إيقاع الضّرر بصاحبه وهي قد تكون من واحد كما يكون من اثنين نحو عافاه الله ونحوه.
__________________
(١) الكشاف ج ٤ ، ص ٥٥٨ ، وفي الكاف الشاف : «أخرجه مسلم من طرق عنها فلم يجعل لها سكنى إلا نفقة ، وفي رواية لا نفقة لك ولا سكنى ، وفي رواية طلقني زوجي ثلاثا». انتهى ما في الكاف الشاف.
قلت : انظر صحيح مسلم بشرح النووي ج ١٠ ، من ص ٩٤ الى ص ١٠٧ والحديث منقول بالمعنى عن ألفاظه المختلفة ، ولفظ الكشاف كما في الكتاب : ان زوجها أبت طلاقها كما في النسفي المطبوع بهامش الخازن ج ٤ ، ص ٢٨١. وهو ماضي باب الافعال من الابتات ويصح بتت طلاقها أيضا فإنه يستعمل الثلاثي المجرد والمزيد فيه منه لازما ومتعديا فيقال : بت طلاقها وأبته إبتاتا وطلاق بات ومبت على زنة شاب وممد.