أشهر ، وإنّما مرّ في بطنها كما يمرّ الماء في الميزاب ، لأنّ الكلمة دخلت في اذنها وخرجت من حيث يخرج الولد من ساعتها. وهي مقالة «إليان» وأشياعه. ومنهم من كان يقول : إنّ المسيح إنسان خلق من اللاهوت كواحد منّا في جوهره ، وأنّ ابتداء الابن من مريم ، وأنّه اصطفى ليكون مخلصا للجوهر الإنسي ، صحبته النعمة الإلهيّة ، وحلّت فيه بالمحبّة والمشيئة ، ولذلك سمّي «ابن الله». ويقولون : إنّ الله جوهر قديم واحد ، وأقنوم واحد. ويسمّونه بثلاثة أسماء ، ولا يؤمنون بالكلمة ولا بروح القدس. وهي مقالة «بولس الشمشاطي» بطريرك أنطاكيّة وأشياعه وهم «البوليقانيّون». ومنهم من كان يقول : إنّهم ثلاثة آلهة لم تزل : صالح وطالح وعدل بينهما ، وهي مقالة «مرقيون» وأصحابه ، وزعموا أنّ «مرقيون» هو رئيس الحواريّين وأنكروا بطرس. ومنهم من كان يقول بألوهيّة المسيح. وهي مقالة «بولس» الرسول ومقالة الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا ...
ولتصفية هذه الخلافات اجتمع في عام ٣٢٥ ميلاديّة «مجمع نيقيّة» عند الملك «قسطنطين» وبدعوة منه ، فاجتمع ألفان وثمانية وأربعون أسقفا ، ودارت البحوث ، وقد اختار الإمبراطور الروماني (قسطنطين) ـ الذي كان قد دخل في النصرانيّة من الوثنية منذ عهد قريب ولم يكن يدري من النصرانية شيئا ـ هذا الرأي الأخير (رأي بولس الرسول) وسلّط أصحابه على مخالفيهم ، وشرّد أصحاب سائر المذاهب ، وبخاصّة القائلين بألوهيّة الأب وحده ، وناسوتيّة المسيح! (١)
وهكذا يقول ابن حزم الأندلسي (٣٨٣ ـ ٤٥٦ ه) وهو قريب عهد بابن البطريق ـ بعد شرح الخلافات بين طوائف النصارى أيّام قسطنطين وكان أوّل من تنصّر من ملوك الروم. فكان ممّا عدّ من تلك المذاهب والفرق : البربرانيّة. قال : «ومنهم البربرانيّة ، وهم يقولون إنّ عيسى وأمّه إلهان من دون الله عزوجل : قال : وهذه الفرقة قد بادت ...». (٢)
__________________
(١) راجع ما كتبه سيد قطب بهذا الشأن (في ظلال القرآن ، ج ٦ ، ص ١١٧ ـ ١٢١ ، المجلّد الثاني ، ص ٦٨٥ ـ ٦٨٩) نقلا عن كتاب محاضرات في النصرانيّة للشيخ محمد أبو زهره. وعن كتاب تاريخ الامّة القبطيّة وغيره من مراجع.
(٢) الفصل في الملل والنحل ، ج ١ ، ص ٤٨.