قال : والمفاتح ـ هنا ـ الخزائن في قول أكثر المفسّرين. وهو اختيار الزجّاج ، كما في قوله سبحانه : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ). (١) والمفاتح ، جمع مفتح. والمفتح بكسر الميم : المفتاح. وبالفتح : الخزانة ، وكلّ خزانة لصنف من الأشياء أو الأموال. قال الفرّاء في قوله تعالى : (إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) : يعني خزائنه. (٢)
قال الفرّاء : نوؤها بالعصبة أن تثقلهم. ومفاتحه : خزائنه. والمعنى : ما إنّ مفاتح الكنوز أي خزائنها لتنيء العصبة أي تميلهم من ثقلها. وإذا أدخلت الباء قلت : تنوء بهم. (٣) قال الشاعر :
إلا عصا أرزن طارت برايتها |
|
تنوء ضربتها بالكفّ والعضد (٤) |
وفي مسائل نافع بن الأزرق سأل ابن عبّاس : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول امرئ القيس إذ يقول :
تمشي فتثقلها عجيزتها |
|
مشي الضعيف ينوء بالوسق (٥) |
والوسق : ستّون صاعا ، حمل بعير ، وكذا وقر النخلة.
ومن الغريب ما نجد هنا من أجنبي عن اللغة ـ هو هاشم العربي ـ يعترض ويرى أنّ الصواب : «لتنوأ بها العصبة». (٦) هذا في حين أنّ الزمخشري ـ وهو البطل الفحل ـ يقول : يقال : ناء به الحمل ، إذا أثقله حتّى أماله. (٧) فسواء قلت : ناء به الحمل أو ناء بالحمل فالمعنى واحد. فالمعنى على الأول : مال به الحمل ثقلا ، وعلى الثاني : مال بالحمل ثقلا. وعلى الأول هو على الحقيقة كما جاء في القرآن ، وعلى الثاني كناية كما جاء في البيت.
حادث نتوق الجبل فوق رءوس بني إسرائيل
وحادث نتوق الجبل ـ وهو زعزعته من الأعالي ، وقد ذكره القرآن ، وأنكره بعض
__________________
(١) الأنعام ٦ : ٥٩. راجع : مجمع البيان ، ج ٧ ، ص ٢٦٦.
(٢) المصدر : ج ٤ ، ص ٣١٠.
(٣) معاني القرآن للفرّاء ، ج ٢ ، ص ٣١٠.
(٤) الهدى إلى دين المصطفى ، ج ١ ، ص ٣٨٩.
(٥) الدرّ المنثور ، ج ٦ ، ص ٤٣٨.
(٦) ملحق ترجمة كتاب الإسلام ، ٤٢٥ ـ ٤٢٦.
(٧) الكشّاف للزمخشري ، ج ٣ ، ص ٤٣٠.