الحيروث».
* * *
والّذي جاء في القرآن بهذا الشأن ليس فيه ما يخالف التوراة جوهريّا. وجاء تفصيل القصّة في القرآن في سورة الشعراء (١) وأوجزها في سائر السور. (٢) وجاء التعبير في هذه الآيات بالبحر وباليمّ وهو : لجّة الماء ومعظمه.
لكن هناك في التفاسير امور يبدو عليها بعض الإبهام ، فقد ذكر المفسّرون أنّ الطرق التي انفلقت لبني إسرائيل للعبور كانت على عدد أسباطهم اثني عشر طريقا ، (٣) الأمر الّذي ليست عبارة القرآن نصّا فيه بل ولا إشارة إليه.
وأمّا قوله تعالى : (فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)(٤) فالمعنى : أنّ البحر انشقّ وتجمّع الماء في كلّ جانب يمينا ويسارا كالجبل. والفرق ـ بكسر الفاء ـ اسم لما انفرق. قال الراغب : الفرق القطعة المنفصلة ، فكلّ جانب من البحر انفصل عن الجانب الآخر وصار كلّ جانب كجبل عظيم.
ولعلّ في قوله تعالى : (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً)(٥) ما يتنافى وقولهم بتعدّد الطرق على عدد الأسباط.
وهكذا نجد أنّ بعض المفسّرين احتمل أن يكون المقصود هو نهر النيل ، بحجّة أنّ العرب تسمّي الماء العذب أيضا بحرا إذا كثر. قال الآلوسي : واختلفوا في هذا البحر ، فقيل : القلزم ، وكان بين طرفيه أربعة فراسخ (!) وقيل : النيل ، والعرب تسمّي الماء الملح والعذب بحرا إذا كثر ، ومنه (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ). (٦) وقال الطبرسي : وهو نهر النيل ما بين أيلة
__________________
(١) الشعراء ٢٦ : ٥٢ ـ ٦٨.
(٢) راجع : سورة البقرة ٢ : ٥٠ ، والأعراف ٧ : ١٣٦ ـ ١٣٨ ، ويونس ١٠ : ٩٠ ، والإسراء ١٧ : ١٠٣ و ١٠٤ ، وطه ٢٠ : ٧٧ ، والقصص ٢٨ : ٣٩ و ٤٠ ، والزخرف ٤٣ : ٥٥ و ٥٦ ، والدخان ٤٤ : ١٧ ـ ٣١ ، والذاريات ٥١ : ٣٨ ـ ٤٠.
(٣) راجع : جامع البيان للطبري ، ج ١ ، ص ٢١٩ تجد فيه العجائب والغرائب بهذا الشأن. وراجع أيضا : مجمع البيان ، ج ٧ ، ص ١٩١.
(٤) الشعراء ٢٦ : ٦٣.
(٥) طه ٢٠ : ٧٧.
(٦) الرحمن ٥٥ : ١٩.