وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ...)
(فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ). (١)
أمّا موضع هذا السدّ ، ففي الجنوب الغربي من مأرب سلسلة جبال هي شعاب من جبل السراة الشهير ، تمتدّ مئات من الأميال نحو الشرق الشمالي ، وبين هذه الجبال أودية تصبّ في واد كبير يعبّر عنه العرب بالميزاب الشرقيّ ، وهو أعظم أودية الشرق ، تمييزا له عن ميزاب «مور» أعظم أودية الغرب المنشعبة من جبل السراة المذكور.
وشعاب الميزاب الشرقيّ كثيرة تتّجه في مصابّها ومنحدراتها نحو الشرقيّ الشماليّ ، وأشهر جبالها ومواضعها في ناحية «رداع العرش» و «ردمان» و «قرن» والجبال المشرفة على «سويق» ، وفي ناحية «ذمار بلد عنس» جميعا.
فشعاب هذه المواضع وأوديتها ، إذا أمطرت السماء تجمّعت فيها السيول ، وانحدرت حتى تنتهي أخيرا إلى وادي «أذنة» وهو يعلو نحو (١١٠٠ متر) عن سطح البحر ، فتسير فيه المياه نحو الشرق الشمالي ، حتى تنتهي إلى مكان قبل مدينة مأرب بثلاث ساعات ، هو مضيق بين جبلين ، يقال لكلّ منهما : «بلق» ، (٢) يعبّر عن أحدهما بالأيمن وعن الآخر بالأيسر ، والمسافة بينهما (٦٠٠) ستّمائة خطوة (أو ذراع) ويسمّيها الهمداني : «مأذمي مأرب» يجري السيل الأكبر بينهما من الغرب الجنوبي إلى الشرقيّ الشماليّ في واد هو وادي أذنة.
واليمن مثل سائر بلاد العرب ، ليس فيها أنهر ، وإنّما يستقي أهلها من السيول التي تجتمع من مياه المطر ، فإذا أمطرت السماء فاضت السيول وزادت مياهها عن حاجة الناس ، فيذهب معظمها ضياعا في الرمال. فإذا انقضى فصل المطر ظمئ القوم وجفّت أغراسهم ، فكانوا إمّا في غريق أو حريق ، وقلّما ينتفعون حتى أيّام السيول من استثمار البقاع المرتفعة (الهضبات) عن منحدرات الجبال. وكان قد يفيض السيل حتى يسطو على
__________________
(١) سبأ ٣٤ : ١٦ و ١٩.
(٢) يقال : بلق السيل الأحجار بلقا وبلوقا : جرفها. وقد كانت السيول جرفت طرفي سفح الجبلين ، فسمّيا : البلقين.