وقال علقمة يصف بناياتها :
ومنّا الذي دانت له الأرض كلّها |
|
بمأرب يبنى بالرخام ديارا |
وبذلك جاء تصديق قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ...)
(وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ...). (١)
* * *
أمّا السّدّ ، فقد كثر في بلاد اليمن بناء الأسداد ، وهي جدران ضخمة كانوا يقيمونها في عرض الأودية لحجز السيول وخزن المياه ورفعها ، لريّ الأرضين المرتفعة ، كما يفعل اليوم في بناء الخزّانات. وإنّما عمد السبائيون إلى بناء الأسداد ، لقلّة الأنهار ومجاري المياه في بلادهم (بل في الجزيرة كلّها) مع رغبتهم في إحياء زراعتها ، فلم يدعوا واديا يمكن استثمار جانبيه بالماء إلّا حجزوا سيله بسدّ ، فتكاثرت الأسداد بتكاثر الأودية التي تكثر فيها السيول ، حتى تجاوزت المئات. وقد ذكر الهمداني في «يحصب العلوّ» من مخاليف اليمن وحده ثمانين سدّا ، وكانوا يسمّون كلّ سدّ باسم خاصّ به.
وإلى ذلك أشار شاعرهم :
وبالبقعة الخضراء من أرض يحصب |
|
ثمانون سدّا تقذف الماء سائلا |
وأشهر أسداد اليمن «العرم» وهو سدّ مأرب الشهير. هو أعظم أسداد بلاد العرب وأشهرها ، وقد كثر ذكره في أخبار العرب وأشعارهم على سبيل العبرة ، لما أصاب مأرب بانفجاره ، وإليه أشار القرآن في سورة سبأ :
(فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ
__________________
(١) سبأ ٣٤ : ١٥ و ١٨.