وهكذا ذكر ابن خلدون : أنّ شمر يرعش (٢٧٥ ـ ٣٠٠ م) ـ سمّي بذلك لارتعاش كان به ـ ويقال إنّه وطئ أرض العراق وفارس وخراسان وافتتح مدائنها وخرّب مدينة الصغد (١) وراء جيحون ، فقالت العجم «شمركند» أي شمر خرّب ، وبنى مدينة هناك باسمه وعرّبته العرب فصار «سمرقند». ويقال : إنّه الذي قاتل «قباذ» (٢) ملك فارس وأسره! وأنّه الذي حيّر «الحيرة» (٣) وكان ملكه (١٦٠) سنة وذكر بعض الأخباريّين أنّه ملك بلاد الروم! وأنّه استعمل عليهم «ماهان قيصر». ذكر ذلك ولم يعلّق شيئا ...! (٤)
لكنّه في المقدّمة يأتي عليها ويذروها ذروا ، ويجعلها أوهاما خرافيّة هي أشبه بقصص شعبية أساطيريّة ، يقول : ومن الأخبار الواهية ما ينقلونه عن التبابعة ملوك اليمن وجزيرة العرب ، أنّهم كانوا يغزون من قراهم بجيوش حافلة إلى أقاصي البلاد ويدوّخون المعمورة كلّها بحملات متتالية ، وأنّ ذا الإذعار من ملوكهم غزا المغرب ودوّخه ، وكذلك ياسر ابنه بلغ وادي الرمل في بلاد المغرب ، وأنّ تبّع الآخر وهو أسعد أبو كرب ، ملك الموصل وآذربيجان ولقى الترك فهزمهم وأثخن ثمّ غزاهم ثانية وثالثة ، وأغزى بعد ذلك ثلاثة من بنيه : بلاد فارس ، وإلى بلاد الصغد من بلاد امم الترك وراء النهر ، وإلى بلاد الروم. فملك الأوّل البلاد إلى سمرقند وقطع المفازة إلى الصين فوجد أخاه الثاني قد سبقه إليها ، فأثخنها في بلاد الصين ورجعا جميعا بالغنائم ، وتركوا ببلاد الصين قبائل من حمير ، فهم
__________________
(١) صغد : منطقة واسعة ، قصبتها سمرقند ، وهي قرى متّصلة خلال الأشجار والبساتين من سمرقند إلى بخارى ، من أزهى بلاد العالم وأجملها ، قال الحموي : هي من أطيب أرض الله ، كثيرة الأشجار ، غزيرة الأنهار ، متجاوبة الأطيار ... معجم البلدان ، ج ٣ ، ص ٤٠٩.
(٢) ولعلّه والد أنوشيروان الملك الساساني ، كانت مدّة ملكه (٤٨٧ ـ ٥٣١ م) وتوفّي موفّقا في أمره عن عمر جاوز الثمانين ، كان قد عمر البلاد وأشاد كثيرا من المدن في حياته وفوّض الملك إلى ابنه أنوشيروان ـ بسلام. تاريخ إيران ، ص ٢٠٥ ـ ٢٠٩.
(٣) مدينة كانت عامرة قرب الكوفة بالعراق ، كانت قاعدة ملك الملوك اللخميّين (المناذرة). كان اللخميّون عمّال الفرس على أطراف العراق ، كما كان الغساسنة عمّال الروم على مشارف الشام ، وكان أوّل من حكم العراق آل تنوخ ومنهم جذيمة الأبرش وصار الحكم بعده إلى ابن اخته عمرو بن عديّ وهو من آل نصر فرع من لخم. ولذلك فإنّ هذه الدولة تسمّى دولة آل نصر ، أو آل لخم ، أو آل عمرو بن عديّ ، أو ملوك الحيرة ، أو المناذرة ـ باعتبار خمسة من ملوكهم سمّوا بالمنذر ، وآخرهم المنذر المغرور ـ وكانت المناذرة قد تنصّروا على مذهب النساطرة. كانت مدّة ملكهم ٣٦٠ سنة (٢٦٨ ـ ٦٢٨ م). وقصبة ملكهم جميعا الحيرة ، على ثلاثة أميال من مكان الكوفة على ضفة الفرات الغربيّة في حدود البادية. وتقع الآن في الجنوب الشرقي من النجف الأشرف. ولم تكن للحيرة وملوكهم أيّ صلة بملوك حمير اليمنيّين. العرب قبل الإسلام ، ص ٢٢١ ـ ٢٢٣.
(٤) تاريخ ابن خلدون ، ج ٢ ، ص ٥٢.