جيشا قويّا لا يقهر ، وأنّه استولى على سرديس (سارد) وبابل ، وقضى على حكم
الساميّين في غربيّ آسيا ، فلم تقم له بعدئذ قائمة مدى ألف عام كاملة ، وضمّ إلى
الدولة الفارسيّة كلّ البلاد التي كانت من قبل تحت سلطة آشور وبابل وليديا وآسيا
الصغرى ، حتى أصبحت تلك الإمبراطوريّة أوسع المنظّمات السياسيّة في العالم القديم
ومن أحسنها حكما في جميع عصور التاريخ.
ويبدو ـ على ما
نستطيع أن نتصوّره فيما يحيط به من سدم الأساطير ـ أنّه (كورش) كان أحبّ الفاتحين
إلى النفوس ، وأنّه أقام دولته على قواعد من النبل وكريم السجايا ، وأنّ أعداءه
كانوا يعرفون عنه لين الجانب فلم يحاربوه بتلك القوّة المستيئسة التي يحارب بها
الرجال حين لا يجدون بدّا من أن يقتلوا أو يقتلوا ...
... وكانت اولى
القواعد السياسيّة التي تقوم عليها دولته : أن يترك للشعوب المختلفة ـ التي تتألّف
دولته منها ـ حرّيّة العبادة والعقيدة الدينيّة ، لأنّه كان عليما كلّ العلم
بالمبدإ الأوّل الذي يبني عليه حكم الشعوب ، وهو : أنّ الدين أقوى من الدولة ، ومن
أجل ذلك لا نراه ينهب المدن أو يخرّب المعابد ، بل نراه يبدي كثيرا من الإكبار
والمجاملة لآلهة الشعوب المغلوبة ، ويسهم بما له في المحافظة على أضرحتها ...
ويزيدك نباهة
بشأن هذا الرجل العظيم ، تلك وثائقه بشأن حقوق الامم :
وثيقة إعلان حقوق الامم
التي أصدرها
كورش الأكبر مؤسّس الإمبراطوريّة الفارسيّة منذ سنة ٢٥٠٠ أي قبل الميلاد ب ٥٠٠ عام
وإليك نصّ المنشور الذي أصدره كورش إثر فتح بابل سنة ٥٣٩ ق. م. وقد نقش على
اسطوانة من الطين المطبوخ (الفخار) وجدت سنة ١٦٧٩ م في منطقة «اور» في ما بين النهرين
من سهل العراق. وقد كتبت باللغة البابليّة. والاسطوانة محفوظة في المتحف البريطاني
بلندن :
__________________