منها : «جدار دربند» أو «حائط قوقاز» الذي بناه الملك الساساني أنوشيروان في امتداد جبال قوقاز حتى مياه بحر قزوين في طول سبعة فراسخ ، سدّا لهجمات أقوام همج كانوا وراء السدّ ، كانوا يغيرون على حدود ممالك فارس ، فصدّهم ببناء هذا الحائط العظيم ، وجعل له بابا ضخما كان يوصد بوجه المغول والتتار. واشتهر بباب الأبواب وكانت مدينة «دربند» والتي بناها أنوشيروان في نفس المكان ، قد سمّيت بنفس الاسم. وهي اليوم عاصمة جمهوريّة «داغستان» على ساحل البحر ، (١) لقد كانت الحروب دامية بين ملوك فارس والقبائل الوحش خلف جبال قوقاز منذ عهد بعيد ، حيث أطماع تلك الأقوام الصحراويين في ثراء منطقة آذربيجان وإرمينيّة وداغستان وگرجستان وسائر البلاد الخصبة الغنيّة بالحرث والنسل. وكان الملك الساساني «قباد» (والد أنوشيروان) كان قد شنّ حملاته الدفاعية ضدّ أقوام التتر ، ليمنعهم عن إغارة البلاد ، وكانوا يغيرون عبر حدود ممالك فارس حتى نهر كورا (كورش القديم) ، فحاربهم «قباد» ومزّق شملهم في حروب دامية وقتلهم شرّ قتلة وسبى وغنم الكثير من أموالهم. وهكذا كانت الإغارات والهجمات ظلّت مستمرّة بين حين وآخر حتى جاء دور «أنوشيروان» وتسنّم الحكم ، فكان ممّا شدّ العزم على إنهاء تلك العرقلة ، أن قام بتشييد حائط متين يحجز دون إغارات الأقوام الهمج نهائيّا ، وليريح شعبه من المزاحمين طول حقبات. (٢)
وفيما بين عامي ٥٣١ ـ ٥٧٩ م (أي بعد بناء سدّ كورش بألف عام) وجد الملك أنوشيروان أنّ السدّ القديم لم يعد يمنع المغيرين عن فارس ، خصوصا وأنّ النوعيّة قد تغيّرت ، فقد اضيف إلى أقوام التتر والمغول ، العنصر الروماني والتركي ، وكان بحر قزوين قد أخذ في الانخفاض والانحسار عن أقدام جبال قوقاز ، نظرا لأنّه بحر مغلق لا يتّصل بالمحيطات ، فقد تناقصت مياهه وانحسرت عن شواطئه نحو القاع ، فانكشف جزء مدرّج على طول امتداد تعاريج الساحل ، وظهر بذلك شريط ساحليّ ضيّق بين خطّ ماء البحر الجديد وأقدام جبال القوقاز عند «دربند» وصار الرومان البيزنطيّون والأتراك ، مع البقايا
__________________
(١) لغت نامه دهخدا ، حرف الدال ، ص ١٠٥٥٤.
(٢) تاريخ إيران ، ص ٢٠٥ ـ ٢٠٦ و ٢١٥.