توفّرها للوفاء باحتياجات السّدّ التي طلبها ذو القرنين ، ودراسة مدى التحضّر البشري حينذاك.
بالنظر إلى الآية الكريمة (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً)(١) نرى أنّ الإمكانيّات التي قدّمها كورش لإتمام السّدّ هي : الخبرة والمهندسين والإشراف. وأمّا الإمكانيّات التي طلبها من سكّان المنطقة فكانت تنحصر في :
١ ـ القوّة البشريّة (العمالة).
٢ ـ خامات الحديد.
٣ ـ الفحم أو الخشب لصهر الحديد.
٤ ـ خامات النحاس.
٥ ـ عدد ما من حيوانات الجرّ والحمل.
٦ ـ استهلاك العمّال والمهندسين من طعام وشراب ومأوى.
ولنا أن نتساءل : هل كانت «فارس» على درجة من التحضّر والتقدّم بما يوفّر الخبرة الهندسيّة لتشييد السدود والأعمال العمرانيّة الضخمة؟
لفارس ، حضارتها الخاصّة بها بلا شكّ. ولكن مصر الفرعونيّة ـ بشهادة التاريخ ـ قدّمت لها أعظم مدرسة في التشييد والبناء والصناعة. لقد قدّمت مصر ـ وكانت على اتّصال وثيق ببلاد الشرق الأدنى منذ ٤٠٠٠ سنة ـ للحضارة الفارسيّة العلوم الرياضيّة والهندسيّة والطبّ والفلك وتعبيد الطرق والكتابة والتقويم والساعات والورق وفنّ المكتبات وحفظ الوثائق ، والأثاث الدقيق والمصقول ، وفنّ التلوين.
ولم تقتبس فارس من حضارة مصر فقط ، وإنّما نقلت أيضا ـ زمن الهخامنشيّين ـ من بابل كثيرا من العلوم والفنون والصناعات. وهكذا من اليونان استخدموا مهندسين كبارا لفنّ النحت وبناء القصور الشامخات والأعمدة الرفيعة والأقواس من الرخام
__________________
(١) الكهف ١٨ : ٩٥ ـ ٩٦.