نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ). (١) وفي سورة طه : (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً). (٢)
وذلك يشبه تصويره للموقف الواحد بعبارات مختلفة حين صوّر خوف موسى ، فمرّة اكتفى بقوله : (خُذْها وَلا تَخَفْ). (٣) ومرّة اخرى قال : (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ). (٤) وهكذا في غيرهما من المواقف ، كتعبيره بالرجفة مرّة وبالصيحة اخرى والطاغية في غيرهما. وكتعبيره في انشقاق الحجر عن الماء في قصّة موسى ، فانفجرت مرّة وانبجست اخرى.
وهكذا من المسائل التي جعلتهم يعدّون القصص القرآني من المتشابه. ولكن ليس من شكّ في أنّ الاختلاف كان نتيجة تغيّر في القصد أو الموقف ، وأنّ هذا التغيّر جعل هذه قصّة وتلك قصّة ، وما لا نرى من اختلاف ليس إلّا الصور الأدبية التي تلائم المقاصد والأغراض.
خذ لذلك مثلا قصّة موسى وصاحبه وفعله العجائب. فتارة يقول له موسى : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً)(٥) واخرى : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً). (٦) لأنّ الإمر ـ بكسر الهمز ـ هو الأمر العجب. وكلّ أمر خالف المألوف فهو يثير العجب ، سواء أكان خيرا أم شرّا.
وهذه العبارة جاءت بشأن خرق السفينة بما لا يستلزم غرق أهلها ، فقد أثار عجب موسى ، حيث لم تعد فيه فائدة ولا حكمة ظاهرة ، ولعلّ فيه حكمة خفيّة!
أمّا النكر فهو الأمر المنكر البادي قبحه بوضوح ، وهو يعود إلى قتل الغلام وهو طفل لم يعقل شيئا ولم يرتكب ذنبا.
ومن ذلك أيضا التعبير عن الأرض اليابسة ، بالهامدة (٧) مرّة وبالخاشعة (٨) مرّة اخرى ،
__________________
(١) القصص ٢٨ : ٣٠.
(٢) طه ٢٠ : ١١ ـ ١٢.
(٣) طه ٢٠ : ٢١.
(٤) النمل ٢٧ : ١٠.
(٥) الكهف ١٨ : ٧١.
(٦) الكهف ١٨ : ٧٤.
(٧) الحج ٢٢ : ٥.
(٨) فصّلت ٤١ : ٣٩.