وفي سورة هود بعد قصّة نوح : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا). (١)
فكلّ هذه الآيات وأمثالها إنّما جاءت لتؤكّد فكرة الوحي الّتي هي الفكرة الأساسيّة في الشريعة الإسلاميّة.
٢ ـ وكان من أغراض القصّة : بيان وحدة الدين والعقيدة لجميع الأنبياء ، وأنّ الدين كلّه من الله سبحانه ، وأنّ الأساس في الجميع واحد ، لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون. ولمّا كان هذا غرضا أساسيّا في الدعوة وفي بناء التصوّر الإسلامي فقد تكرّر مجيء هذه القصص على هذا النمط ، مع اختلاف في التعبير ، لتثبيت هذه الحقيقة وتوكيدها في النفوس. وربّما وردت قصص عدّة من الأنبياء مجتمعة في سورة واحدة ، معروضة بطريقة بديعة لتؤيّد هذه الحقيقة.
خذ مثلا سورة الأنبياء ، يتابع قصص موسى وهارون وإبراهيم ولوط ونوح وداود وسليمان وأيّوب وإسماعيل وإدريس وذي الكفل وذي النون ومريم. ويعقّب كلّا بذكر جميل ، وفي النهاية يقول : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)(٢) ... وهذه هو الغرض الأصيل من هذا الاستعراض الطويل ، وغيره من الأغراض الاخرى يأتي عرضا وفي ثناياه!
وجاء في سورة النحل : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ). (٣)
وفي سورة المائدة : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ). (٤)
وفي سورة البيّنة : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ). (٥)
__________________
(١) هود ١١ : ٤٩.
(٢) الأنبياء ٢١ : ٤٨ ـ ٩٢.
(٣) النحل ١٦ : ٣٦.
(٤) المائدة ٥ : ٤٤.
(٥) البيّنة ٩٨ : ٥.