وشيء آخر لعلّه أهم ، وهو : أنّ الأخذ بعبر التاريخ إنّما يصحّ إذا كان إخبارا عن صدق ، ذلك لأنّه أخذ بتجارب مرّت على حياة الإنسان ، إن حسنة أو سيّئة ، ولا تجربة إلّا إذا كانت واقعة ، لا مجرّد فرض وتخييل!
والقرآن ، حتّى في ضرب الأمثال ، إنّما يضع يده على حقائق مرّت على حياة الإنسان ، لغرض العبرة بها (كي لا تتكرّر إذا كانت مريرة ، ولتتداوم إذا كانت جميلة) ولا عبرة بمجرّد خيال لا واقع له.
ثالثا ـ التربية على الأخلاق الإنسانيّة العالية ، في مقابل التركيز على الأحاسيس والانفعالات في شخصيّة الإنسان ، والتربية على الاهتمام بالغرائز. وإنّما اتّصفت في القرآن بالأخلاقيّة ، لأنّ المسيرة والحركة التكامليّة للإنسان ـ سواء على مستوى الفرد أو الجماعة ـ إنّما تقوم على أساس الأخلاق ، بعد العقيدة بالله تعالى والرسالات واليوم الآخر. بل إنّ الاتّصاف بالأخلاق العالية هو الذي يمثّل عنصر التكامل الحقيقي في حركة الإنسان الفرديّة والجماعيّة. ولذا كانت قاعدة المجتمع الإنساني في نظر الإسلام قاعدة أخلاقيّة ، والسلوك الرّاقي للإنسان هو السلوك الأخلاقي. وقد ورد عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قوله : «بعثت بمكارم الأخلاق ومحاسنها». (١)
لذا جاءت القصّة في القرآن الكريم ذات طابع أخلاقي وللتربية على الإيمان بالله والعمل الصالح ، والسلوك الأفضل في الحياة الفرديّة والاجتماعية. ولعلّ هذا هو معنى الهدى والرحمة في الآية السالفة. ولذلك ورد قوله صلىاللهعليهوآله أيضا : «إنّما بعثت رحمة للعالمين». (٢)
رابعا ـ الحكمة وكشف الحقائق الكونيّة وسنن التاريخ والقوانين والأسباب التي تتحكّم أو تؤثّر في مسيرة الإنسان ، وعلاقاته الاجتماعيّة ، والحياة الكونية المحيطة به. لأنّ هذه الحقائق الكونية لها علاقة بمسيرة الإنسان التكامليّة ، ما دام أراد الله تعالى لهذا
__________________
(١) بحار الأنوار ، ج ١٦ ، ص ٢٨٧ ، عن أمالي الشيخ ، ص ٢٧. رواه بإسناده إلى علي عليهالسلام عنه صلىاللهعليهوآله قال : سمعته يقول ... ؛ وكنز العمال للمتّقي الهندي ، ج ٣ ، ص ١٦ ، رقم ٥٢١٧. واللفظ فيه : «إنّما بعثت لاتمّم مكارم الأخلاق». ورواه البخاري في الأدب المفرد برقم ٢٧٣.
(٢) بحار الأنوار ، ج ١٨ ، ص ٢٤٣.