ومن هنا نجد القرآن الكريم يحاول أن يعالج من خلال القصّة ، الواقع الّذي كان يعيشه المسلمون في زمن النبيّ صلىاللهعليهوآله فيذكر ما يتطابق من الأحداث مع هذا الواقع من ناحية ، كما يعالج الواقع الذي سوف تعيشه الأجيال والعصور الإنسانيّة المستقبليّة من ناحية اخرى.
وهذا هو الذي يفسّر لنا ما ورد عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام من قولهم : «إنّ القرآن يجري كما تجري الشمس والقمر ، كلّما جاء منه شيء وقع». (١) وأنّ القرآن حيّ مع الأبد ، لا يموت مع من نزل في شأنهم بالذات. (٢) فإنّ انطباق هذا الكلام على القصص والأحداث ذات العلاقة بالأنبياء وأقوالهم أو بالتاريخ الماضي ، إنّما هو بلحاظ هذا البعد والصفة في القصّة القرآنيّة.
ولعلّ في الآية السالفة (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ)(٣) إشارة إلى هذه الصفة في القصص القرآني بوجه عام.
ثانيا ـ تحرّي الصدق في ذكر الأحداث والوقائع التاريخيّة التي تعرّض لها الأنبياء وأقوامهم في حياتهم. وذلك في مقابل الأكاذيب والانحرافات في الفهم والسلوك أو الخرافات التي اقترنت بقصص الأنبياء والامم السالفة حسبما سجّلت «مشوّهة ومحرّفة» في كتب العهدين بالذات ، على أثر ضياع وتحريف للحقائق عن قصد أو بدون قصد أو اشتباه أو جهل.
فما ورد في القرآن من أخبار وحوادث هي امور وحقائق ثابتة ليس فيها كذب أو خطأ أو اشتباه ، كما حصل في الكتب السالفة. ذلك لأنّ القرآن وحي إلهيّ ، والله لا يعزب عن علمه ذرّة في السماء والأرض ، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. والحاضر والماضي والمستقبل لديه سواء. ويؤكّد على هذه الحقيقة قوله تعالى : (ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى)!
__________________
(١) تفسير العياشي ، ج ١ ، ص ١١ ، رقم ٥.
(٢) المصدر : ص ١٠ ، رقم ٧.
(٣) يوسف ١٢ : ١١١.