الثاني : أنّ الإناث من العقلاء يجرين مجرى غير العقلاء. (١) وهذا أبعد الوجوه.
الثالث ـ وهو الأوجه ـ : أنّه إجراء على الصفة لا على الذات.
قالوا : و «ما» تختصّ أو تغلب في غير العقلاء فيما إذا اريد الذات ، وأمّا إذا اريد الوصف فلا. كما تقول : ما زيد ـ في الاستفهام ـ أي أفاضل أم كريم. وأكرم ما شئت من الرجال ، تعني الكريم أو اللئيم. (٢)
قال الفرّاء : قال تعالى (ما طابَ لَكُمْ)(٣) ولم يقل «من طاب». وذلك أنّه ذهب إلى الفعل (أي الوصف) [أي فانكحوا الطيّبات من النساء]. كما قال : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ)(٤) يريد : أو ملك أيمانكم.
ولو قيل في هذين «من» كان صوابا ، ولكن الوجه ما جاء به الكتاب. وأنت تقول في الكلام : خذ من عبيدي ما شئت ، إذا أراد مشيئتك ، فإن قلت : «من شئت» فمعناه : خذ الذي تشاء. (٥)
وهكذا قال أبو البقاء : وقيل : «ما» تكون لصفات من يعقل ، وهي هنا كذلك ، لأنّ «ما طاب» يدلّ على الطيب منهنّ.
وقال الزمخشري : وقيل : «ما» ذهابا إلى الصفة.
قل رضيّ الدين الأسترآبادي : وتستعمل أيضا في الغالب في صفات العالم نحو : زيد ما هو وما هذا الرجل ، فهو سؤال عن صفته. والجواب : عالم أو غير ذلك. قال : وقول فرعون : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ). (٦) يجوز أن يكون سؤالا عن الوصف ، ولهذا قال موسى عليهالسلام (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). (٧)
قال الزمخشري ـ ردّا على من زعم أنّ «ما» في قوله تعالى : (وَالسَّماءِ وَما بَناها. وَالْأَرْضِ وَما طَحاها. وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها). (٨) مصدريّة ـ : وليس بالوجه ، لقوله (فَأَلْهَمَها) ، وما
__________________
(١) الكشّاف ، ج ١ ، ص ٤٦٧.
(٢) روح المعاني ، ج ٤ ، ص ١٦٩.
(٣) النساء ٤ : ٣.
(٤) النساء ٤ : ٣.
(٥) معاني القرآن ، ج ١ ، ص ٢٥٣ ـ ٢٥٤.
(٦) الشعراء ٢٦ : ٢٣.
(٧) الشعراء ٢٦ : ٢٤. راجع : شرح الكافية ، ج ٢ ، ص ٥٥.
(٨) الشمس ٩١ : ٥ ـ ٧.