قال الزجاجي : الحنيف في الجاهلية من كان يحجّ البيت ويغتسل من الجنابة ويختتن. (١)
وهكذا ذكر الفيروزآبادي في القاموس ، قال : الحنف ـ محرّكة ـ الاستقامة.
وقد عرفت أنّ إطلاقه على اعوجاج الرجل ، كان بالعناية والمجاز تفاؤلا ، لا حقيقة.
قال الجارود بن بشر من عبد قيس ، وكان نصرانيّا فأسلم طوعا :
فأبلغ رسول الله منّي رسالة |
|
بأنّي حنيف حيث كنت من الأرض |
وقال حسّان بن ثابت يخاطب أبا سفيان :
هجوت محمّدا برّا حنيفا |
|
أمين الله شيمته الوفاء (٢) |
وممّا يتأيّد إرادة التطهّر من الأقذار في مفهوم «الحنف» ، أنّ العرب اليوم يستعملون لفظة «الحنفيّة» يريدون بها فتحة أنابيب المياه للغسل والشرب ، حيث كانت وسيلة التطهير من الأوساخ. وهو امتداد لمفهومه القديم المعروف عندهم. (٣)
فيا ترى هل كان هؤلاء العرب الأقحاح انخدعوا جميعا منذ أوّل يومهم حتّى الآن بدسائس يهودية هزيلة لا وزن لها ولا اعتبار ، اللهمّ إلّا في ذهنية متعرّبنا المسكين!!
(تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها)(٤)
زعم المتعرّب أنّ «اعتدى» لا يتعدّى بنفسه ، وكان الصحيح أن يبدّل بقوله «فلا تتعدّوها» (٥) ويا ليته لم يفضح نفسه بالتدخّل في شئون لغة هو أجنبيّ عنها. قال صاحب المنجد ـ وهو مسيحيّ مثله لكنّه عارف باللغة ـ : اعتدى الحقّ وعن الحقّ وفوق الحقّ : جاوزه. وكذا تعدّى الشيء : جاوزه. فهما بمعنى.
__________________
(١) لسان العرب ، ج ٩ ، ص ٥٦ ـ ٥٨.
(٢) راجع : الهدى إلى دين المصطفى ، ج ١ ، ص ٣٨٦.
(٣) راجع : المعجم الوسيط ، ج ١ ، ص ٢٠٣ ، مادّة «حنف». وص ٥٢٤ «الصنبور».
(٤) البقرة ٢ : ٢٢٩.
(٥) ملحق ترجمة كتاب الإسلام ، ص ٤٢٥.