ونظيره قوله تعالى في موضع آخر : (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ). (١) قال سيبويه ـ في باب ما ينتصب في التعظيم والمدح ـ : وسمعنا بعض العرب يقول : الحمد لله ربّ العالمين ـ بنصب الربّ ـ فسألت عنها يونس فزعم أنّها عربية. (٢) قال : ومنها «والمقيمين» و «الصابرين» فقطع إلى النصب مدحا. وهذا باب شائع في العربية ، وتكلّم فيه سيبويه بتفصيل. (٣)
وهكذا قال أبو عبيد. قال : هو نصب على تطاول الكلام بالنسق ، أي للإيفاد بالكلام تطرية تخرجه على تطاول النسق. فيجوز القطع إلى النصب وإلى الرفع تطرية للكلام وإخراجه عن نسق واحد. وأنشد للخرنق بنت هفّان :
لا يبعدن قومي الذين هم |
|
سمّ العداة وآفة الجزر |
النازلين بكلّ معترك |
|
والطيّبون معاقد الأزر (٤) |
* * *
وأمّا الجزم في «وأكن» معطوفا على «فأصّدق» فمحمول على موضع «فأصّدّق» لو لم يكن فيه الفاء ، وموضعه جزم ، جوابا ل «لو لا» في قوله تعالى : (فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ). (٥) وهو من العطف على التوهّم ، وهو شائع في اللغة. كما في قول الشاعر :
فأبلوني بليّتكم لعلّي |
|
أصالحكم وأستدرج نويّا |
فجزم «أستدرج» معطوفا على موضع «اصالحكم» بتوهّم أنّه لو لم يكن قبلها «لعلّي». لأنّه قال : فأبلوني بليّتكم أصالحكم واستدرج. (٦)
وللفرّاء هنا كلام مسهب أتى فيه بفوائد جمّة ، نذكره على طوله :
__________________
(١) البقرة ٢ : ١٧٧.
(٢) كان سيبويه يحترم آراء يونس. ويأخذها حجّة. والزعم هنا بمعنى الرأي والنظر.
(٣) راجع : كتاب سيبويه ، ج ١ ، ص ٢٨٨ ـ ٢٩١.
(٤) تأويل مشكل القرآن ، ص ٥٣.
(٥) المنافقون ٦٣ : ١٠.
(٦) راجع : تأويل مشكل القرآن ، ص ٥٦.