فيا ترى كيف لم يطّلع «نولدكه» على هذه الترجمة وهذه الملاحظة التي سجّلها «سال» وكانت في متناوله؟!
فاليوم ننجّيك ببدنك
قال تعالى ـ فيما حكاه خطابا لفرعون حينما أدركه الغرق ـ : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً). (١) وذلك عند ما أيقن بالغرق وقال : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ). (٢) قال تعالى : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ). (٣)
قال هاشم العربي : وهذا يدلّ على أنّه تعالى نجّى فرعون من الغرق ، ومن ثمّ يناقض ما ورد في سائر الآيات من أنّه تعالى أغرقه ومن معه جميعا. (٤)
وسخّف تأويل المفسّرين ذلك بإنقاذ جسده من قعر البحر وجعله طافيا على وجه الماء ، أو نبذ الأمواج له إلى نجوة (مكان مرتفع) من ساحل البحر ، ليكون عبرة للآتين ، حيث يجدوه مطروحا بلا روح على الأرض. قال : هذا تأويل يخالف ظاهر التعبير ، حيث المتبادر من النجاة هو الخلاص من الغرق. قال : على أنّه ليس في ذلك (طفو الجسد على وجه الماء أو طرحه على الساحل) آية ، لأنّ هذه حال أكثر الغرقى تطفو جثثهم على الماء أو يلقيها البحر بالساحل. (٥)
لكنّه لم يمعن النظر في التعبير بالبدن ، وهي الجثّة بلا روح. فلو كان أراد تنجيته لجاء التعبير : «ننجّيك» بلا زيادة قوله : «ببدنك». فهذه الزيادة دلّتنا على اختصاص البدن (الجسد بلا روح) بالنجاة.
والمراد بالنجاة هو الخلاص ببدنه سليما من مقضمة الحيوانات البحريّة ومن غير أن يتفتّت أشلاء أو يتفسّخ.
__________________
(١) يونس ١٠ : ٩٢.
(٢) يونس ١٠ : ٩٠.
(٣) يونس ١٠ : ٩١. وراجع : الإسراء ١٧ : ١٠٣ ؛ والزخرف ٤٣ : ٥٥ ؛ والقصص ٢٨ : ٤٠.
(٤) ملحق ترجمة كتاب الإسلام ، ص ٣٧٩ ـ ٣٨٠.
(٥) راجع ما كتبه الشيخ الطنطاوي بهذا الشأن في تفسير الجواهر ، ج ٦ ، ص ٨١ و ١٠٥.