يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ). (١)
«يزجي» : يسوق. «يؤلّف بينه» : يؤلّف بين متفرّقه. «يجعله ركاما» : متكاثفا. «فترى الودق» : قطرات المطر الآخذة في الهطول.
(وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ)؟
السؤال هنا : ما ذا يعني بالجبال هذه؟ وما ذا يكون المقصود من البرد وهو الماء المتجمّد على أثر ضغط البرد؟ وكيف يكون هناك في السماء جبال من برد؟
وقد مرّ عليها أكثر المفسّرين القدامى مرور الكرام ، وبعضهم أخذها على ظاهرها وقال : إنّ في السّماء جبالا من برد (من ثلج) ينزل منها المطر ، كما تنحدر المياه من جبال الأرض على أثر تراكم الثلوج عليها. عن الحسن والجبّائى (٢) وعن مجاهد والكلبي وأكثر المفسّرين : أنّ المراد بالسّماء هى المظلّة وبالجبال حقيقتها. قالوا : إنّ الله خلق في السّماء جبالا من برد كما خلق في الأرض جبالا من صخر. قال الآلوسي : وليس في العقل ما ينفيه من قاطع. فيجوز إبقاء الآية على ظاهرها كما قيل. (٣)
قال السيّد المرتضى : وجدت جميع المفسّرين على اختلاف عباراتهم يذهبون إلى أنّه تعالى أراد : أنّ في السّماء جبالا من برد. وفيهم من قال : من قدره قدر جبال. يعني مقدار جبال من كثرته.
قال : وأبو مسلم بن بحر الأصبهانيّ خاصّة انفرد في هذا الموضع بتأويل طريف ، وهو أن قال : الجبال ، ما جبل الله من برد ، وكلّ جسم شديد مستحجر فهو من الجبال ، ألم تر إلى قوله تعالى في خلق الأمم : (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ). (٤) والناس يقولون : فلان مجبول على كذا.
وأورد عليه السيّد بأنّه يلزمه أنّ جعل الجبال اسما للبرد نفسه ، من حيث كان مجبولا مستحجرا! وهذا غلط ، لأنّ الجبال وإن كانت في الأصل مشتقّة من الجبل
__________________
(١) النور ٢٤ : ٤٣.
(٢) مجمع البيان ، ج ٧ ، ص ١٤٨.
(٣) روح المعاني ، ج ١٨ ، ص ١٧٢. وراجع : التفسير الكبير ، ج ٢٤ ، ص ١٤.
(٤) الشعراء ٢٦ : ١٨٤.