والجمع ، فقد صارت اسما لذي هيئة مخصوصة. ولهذا لا يسمّي أحد من أهل اللغة كلّ جسم ضمّ بعضه إلى بعض ـ مع استحجار أو غير استحجار ـ بأنّه جبل ، ولا يخصّون بهذا اللفظ إلّا أجساما مخصوصة ... كما أنّ اسم الدابّة وإن كان مشتقّا في الأصل من الدبيب فقد صار اسما لبعض ما دبّ ، ولا يعمّ كلّ ما وقع منه الدبيب.
قال : والأولى أن يريد بلفظة السماء ـ هنا ـ ما علا من الغيم وارتفع فصار سماء لنا ، لأنّ سماء البيت وسماواته ما ارتفع منه. وأراد بالجبال التشبيه ، لأنّ السحاب المتراكب المتراكم تشبّهه العرب بالجبال والجمال ، وهذا شائع في كلامها ، كأنّه تعالى قال : وينزّل من السحاب الذي يشبه الجبال في تراكمه بردا.
قال : وعلى هذا التفسير تكون «من» الاولى والثانية لابتداء الغاية ، والثالثة زائدة لا حكم لها ، ويكون تقدير الكلام : وينزّل من جبال في السماء بردا. فزادت «من» كما تزاد في قولهم : ما في الدار من أحد. وكم أعطيته من درهم ، وما لك عندي من حقّ ، وما أشبه ذلك.
وأضاف : إنّه قد ظهر مفعول صحيح ل «ننزّل» ، ولا مفعول لهذا الفعل على سائر التأويلات. (١)
قلت : وهو تأويل وجيه لو لا جانب زيادة «من» في الإيجاب.
قال ابن هشام : شرط زيادتها تقدّم نفي أو نهي أو استفهام ولم يشترطه الكوفيّون واستدلّوا بقول العرب : قد كان من مطر. وبقول عمر بن أبي ربيعة :
وينمي لها حبّها عندنا |
|
فما قال من كاشح لم يضرّ |
أي فما قاله كاشح ـ وهو الذي يضمر العداوة ـ لم يضرّ.
قال : وقال الفارسي في قوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) : يجوز كون «من» الثانية والثالثة زائدتين. فجوّز الزيادة في الإيجاب. (٢)
__________________
(١) الأمالي للسيّد المرتضى علم الهدى ، ج ٢ ، ص ٣٠٤ ـ ٣٠٦.
(٢) مغني اللبيب لابن هشام ، حرف الميم ، ج ١ ، ص ٣٢٥.