الطرائق : جمع الطريقة بمعنى المذهب والمسلك الفكري والعقائدي وليس بمعنى سبيل الاستطراق على الأقدام. ولم تستعمل في القرآن إلّا بهذا المعنى :
يقول تعالى ـ حكاية عن لسان الجنّ ـ : (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً). (١) أي مذاهب شتّى.
(وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى). (٢) أي بمذهبكم القويم الأفضل.
(إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً). (٣) وذاك يوم الحشر يتخافت المجرمون : كم لبثوا؟ فيقول بعضهم : عشرا. ويقول أعقلهم وأفضلهم بصيرة : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً).
(وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً). (٤) أي الطريقة المثلى والمذهب الحقّ.
فالمقصود بالطرائق ـ في الآية الكريمة ـ هي طرائق التدبير والتقدير ، المتّخذة في السماوات حيث مستقرّ الملائك المدبّرات أمرا والمقسّمات. (٥) (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ). (٦) (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ). (٧) أي تقدير أرزاقكم وكلما قدّر لكم من مجاري الامور. (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ). (٨) (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ). (٩)
فالتدبير في السماء ثمّ التنزيل إلى الأرض (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ). (١٠) (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ). (١١) ومن ثمّ تعقّب الآية بقوله تعالى : (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ). قال العلّامة الطباطبائي : أي لستم بمنقطعين عنّا ولا بمعزل عن مراقبتنا وتدبيرنا لشئونكم ، فهذه الطرائق السبع إنّما جعلت ليستطرقها رسل ربّكم في التقدير والتدبير والتنزيل. (١٢)
__________________
(١) الجن ٧٢ : ١١.
(٢) طه ٢٠ : ٦٣.
(٣) طه ٢٠ : ١٠٤.
(٤) الجنّ ٧٢ : ١٦.
(٥) النازعات ٧٩ : ٥. والذاريات ٥١ : ٤.
(٦) السجدة ٣٢ : ٥.
(٧) الذاريات ٥١ : ٢٢.
(٨) يونس ١٠ : ٣.
(٩) الحجر ١٥ : ٢١.
(١٠) مريم ١٩ : ٦٤.
(١١) القدر ٩٧ : ٤.
(١٢) راجع : الميزان ، ج ١٥ ، ص ٢١.